فاستغفروه لها، وعرفوا أنه لا يغفر الذنوب إلا هو (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون): أي لم يقيموا على معصيتي كفعل من أشرك بي فيما غلوا به في كفرهم، وهم يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري. (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها، ونعم أجر العاملين): أي ثواب المطيعين.
ثم استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم، والبلاء الذي أصابهم، والتمحيص لما كان فيهم، واتخاذه الشهداء منهم، فقال - تعزية لهم، وتعريفا لهم فيما صنعوا، وفيما هو صانع بهم -: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين): أي قد مضت منى وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي: عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين، فرأوا مثلاث قد مضت منى فيهم، ولمن هو على مثل ما هم عليه من ذلك منى، فإني أمليت لهم: أي لئلا يظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوى، للدولة التي أدلتهم بها عليكم، ليبتليكم بذلك، ليعلمكم ما عندكم.
ثم قال تعالى: (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين): أي هذا تفسير للناس إن قبلوا الهدى (وهدى وموعظة) أي نور وأدب " للمتقين " أي لمن أطاعني وعرف أمرى. (ولا تهنوا ولا تحزنوا): أي لا تضعفوا ولا تبتئسوا على ما أصابكم، (وأنتم الأعلون): أي لكم تكون العاقبة والظهور (إن كنتم مؤمنين): أي إن كنتم صدقتم نبيي بما جاء كم به عنى إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله): أي جراح مثلها، (وتلك الأيام نداولها بين الناس): أي نصرفها بين الناس للبلاء والتمحيص (وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين) أي ليميز بين المؤمنين والمنافقين، وليكرم من أكرم من أهل الايمان بالشهادة