اللهم إلا أن يدعى أن المال المذكور يصير بالوصية محبوسا على المصرف المذكور، ولا تسلط للميت عليه، فيجب صرفه في المصرف المذكور، فلا يجوز أن يتولى ذلك من لا وثوق بفعله، وتولية الميت له يكون تولية على المال في زمان لا سلطنة له عليه، وأدلة نفوذ وصيته تدل على تسلطه على ماله، فإذا جعل ماله محبوسا في مصرف كان هو كغيره في عدم جواز تفويض ذلك إلى من لا وثوق بفعله، وذلك نظير الوقف، فإنه وإن كان الواقف مسلطا على وقفه بأي وجه كان، إلا أنه بعد فرض وقفه على وجه من الوجوه (1) ليس له أن يولي أمره الفاسق.
ودعوى: أن التولية ليست بعد الوقف والوصية وإنما هي في ضمنهما، مدفوعة: بما عرفت من أن التولية ليست (2) من القيود اللاحقة لنفس الوقف والوصية، وإنما هي (3) جعل مستقل في ضمنهما يشبه الشروط في ضمن العقود، بل أولى بالاستقلال، ولذا لا يبطل أصل الوقف والوصية بتولية الفاسق - بناء على اشتراط العدالة - وإنما يلغو التولية.
لكن الانصاف أن المسألة لا تصفو عن الاشكال، فإن التولية في الوقف ترجع إلى التولية على مال الغير وهو الموقوف عليه، بخلاف ما نحن فيه، فدعوى: وجوب مراعاة المصلحة، أو عدم المفسدة عليه فيما لا يرجع إلا إلى نفسه من مصارف الثلث، محل نظر، فكان القول بالتفصيل في المسألة بين ما يتعلق بحق الغير - ولو كان صيرورته حقا بنفس الوصية كالوصية