مرحلة.
والحيرة: مدينة جاهلية طيبة التربة مفترشة البناء كبيرة، إلا أنها خلت عن الأهل لما عمرت الكوفة وهواؤها وترابها أصح من الكوفة، وبينها وبين الكوفة نحو فرسخ، وقريب من الكوفة قبر علي (عليه السلام) (١).
وقال المسعودي في التنبيه والاشراف: تنوزع في تمصير سعد بن أبي وقاص الكوفة فمنهم من قال: كان ذلك في سنة ١٧، وإلى هذا ذهب الواقدي في آخرين، وذهب آخرون إلى أنها مصرت سنة ١٥، وأن عبد المسيح بن بقيلة الغساني دل سعدا على موضعها وقال: أدلك على أرض ارتفعت عن البق وانحدرت عن الفلاة.
ولا خلاف بينهم جميعا أن البصرة والكوفة بنيتا بعد فتح المدائن دار مملكة فارس، وخروج الملك يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز عنها إلى حلوان ووقعة جلولاء الوقيعة (٢)، ومثله ما ذكره في مروج الذهب (٣).
وقال حمد الله بن أبي بكر بن أحمد المستوفي القزويني المتوفى سنة ٧٥٠ في نزهة القلوب ما ترجمته: وأما بلاد الكوفة فهي دار الملك ومدفن أمير المؤمنين (عليه السلام) والإقليم الثالث وأنها بلاد الإسلام، وطولها من جزائر الخالدات تسع وتسعون درجة واثنان وثلاثون دقيقة، وعرضها من خط الاستواء إحدى وستون درجة، وهذا قدر الطول منها والعرض بحسب (تجلس: عط: لب: لآل).
ثم قال: وكان هوشنك عمرها في قديم الزمان، ثم خرجت بعد وجدد عمارتها سعد بن أبي وقاص، وكان الطالع عند عمارته لها برج الدلو، وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أحدث بجنبها قرى، والمنصور الدوانيقي أتم بناءها وبنى فيها دارا للإمارة، ودور تلك الدار ثمانية عشر ألف خطوة، وكان هواء رياحها أحر من هواء بغداد وأكثر هوائها الشمالي، وماؤها من نهر التاجية خارج من الفرات، وفيها النخل الكثير، ومواشيها أحسن وأسمن من بقية الأماكن، والتنور الذي فار فيه الماء على عهد نوح نبع منها، والقرآن المجيد شاهد بذلك في قوله تعالى: ﴿وفار التنور﴾ (4) ونبع من