والنجف كان ساحل بحر الملح (1).
وقال ابن قتيبة في المعارف: لما نزل المسلمون المدائن وطال بها مكثهم وآذاهم الغبار والذباب، كتب عمر إلى سعد في بعثه روادا يرتادون منزلا بريا بحريا، فإن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما صلح الشاة والبعير، فسأل من قبله عن هذه الصفة، فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللسان وهو ظهر الكوفة، وكانت العرب تقول: أدلع البر لسانه في الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط، وما كان يلي الطين منه فهو النجاف.
فكتب عمر إلى سعد يأمره به، وكان نزولهم الكوفة سنة 17، فالبصرة أقدم من الكوفة بثلاث سنين (2).
وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 17: اختطت الكوفة وتحول سعد إليها من المدائن.
وكان سبب ذلك: أن سعدا أرسل وفدا إلى عمر بهذه الفتوح المذكورة، فلما رآهم عمر سألهم عن تغير ألوانهم وحالهم.
فقالوا: وخومة البلاد غيرتنا.
فأمرهم عمر أن يرتادوا منزلا ينزله الناس، وكان قد حضر مع الوفد نفر من بني تغلب ليعاقدوا عمر على قومهم فقال عمر: أعاقدهم على أن من أسلم منكم كان له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ومن أبى فعليه الجزية.
فقالوا: إذن يهربون ويصيرون عجما.
وبذلوا له الصدقة فأبى فجعلوا جزيتهم مثل صدقة المسلم، فأجابهم على أن لا ينصروا وليدا، فهاجر هؤلاء التغلبيون ومن أطاعهم من النمر وإياد إلى سعد بالمدائن ونزلوا بالمدائن ونزلوا معه بعد بالكوفة.
وقيل: بل كتب حذيفة إلى عمر: إن العرب قد رقت بطونها وجفت أعضادها وتغيرت ألوانها وكان مع سعد.
فكتب عمر إلى سعد: أخبرني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟
فكتب إليه سعد: إن الذي غيرهم وخومة البلاد، وإن العرب لا يوافقها إلا ما