وأول شيء خطه فيهما وبني مسجداهما وقام في وسطهما رجل شديد النزع، فرمى في كل جهة بسهم وأمر أن يبنى ما وراء ذلك، وبني (ظلة) (1) في مقدمة مسجد الكوفة على أساطين رخام من بناء الأكاسرة في الحيرة، وجعلوا على الصحن خندقا لئلا يقتحمه أحد ببنيان، وبنوا لسعد دارا بحياله وهي قصر الكوفة اليوم، بناه روز به من آجر بنيان الأكاسرة بالحيرة، وجعل الأسواق على شبه المساجد من سبق إلى مقعد فهو له حتى يقوم منه إلى بيته ويفرغ من معه، وبلغ عمر أن سعدا قال - وقد سمع أصوات الناس من الأسواق -: سكتوا عني السيوط.
وأن الناس يسمونه قصر سعد، فبعث محمد بن مسلمة إلى الكوفة وأمره أن يخرق باب القصر ثم يرجع، ففعل.
فبلغ سعدا ذلك فقال: هذا رسول أرسل لهذا.
فاستدعاه سعد فأبى أن يدخل إليه، فخرج إليه سعد وعرض عليه نفقة فلم يأخذ، وأبلغه كتاب عمر إليه: بلغني أنك اتخذت قصرا جعلته حصنا ويسمى قصر سعد بينك وبين الناس باب، فليس بقصرك ولكنه قصر الخبال، أنزل منه مما يلي بيوت الأموال وأغلقه وألا تجعل على القصر بابا يمنع الناس من دخوله.
فحلف له سعد ما قال الذي قالوا، فرجع محمد فأبلغ عمر قول سعد فصدقه.
وكانت ثغور الكوفة أربعة: حلوان وعليها القعقاع، وماسبذان وعليها ضرار بن الخطاب، وقرقيسياء وعليها عمر بن مالك أو عمرو بن عتبة بن نوفل، والموصل وعليها عبد الله بن المعتم، وكان بها خلفاؤهم إذا غابوا عنها، وولي سعد الكوفة بعدما اختطت ثلاث سنين ونصفا سوى ما كان بالمدائن قبلها (2).
وقال أبو بكر أحمد بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه في كتاب البلدان:
قال قطرب: سميت الكوفة من قولهم: تكوف الرمل، أي ركب بعضه بعضا، والكوفان الاستدارة، وقال أبو حاتم السجستاني: الكوفة رملة مستديرة يقال: كأنهم في كوفان.
وقال المغيرة بن شعبة: أخبرنا الفرس الذين كانوا بالحيرة قالوا: رأينا قبل الإسلام في موضع الكوفة فيما بين الحيرة إلى النخيلة نارا تأجج فإذا أتينا موضعها لم