وافق إبلها من البلدان.
فكتب إليه عمر: أن ابعث سلمان وحذيفة رائدين، فليرتادا منزلا بريا بحريا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر.
فأرسلهما سعد فخرج سلمان حتى أتى الأنبار، فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة، وسار حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة - وكل رملة وحصباء مختلطين فهو كوفة - فأتيا عليها، وفيها ديرات ثلاث: دير حرقة، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وخصاص خلال ذلك فأعجبتهما البقعة فنزلا فصليا ودعوا الله تعالى أن يجعلها منزل الثبات، فلما رجعا إلى سعد بالخبر وقدم كتاب عمر إليه أيضا، كتب سعد إلى القعقاع بن عمرو وعبد الله بن المعتم: أن يستخلفا على جندهما ويحضرا عنده.
ففعلا، فارتحل سعد من المدائن حتى نزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة، وكان بين نزول الكوفة ووقعة القادسية سنة وشهران، وكان فيما بين قيام عمر واختطاط الكوفة ثلاث سنين وثمانية أشهر، ولما نزلها سعد كتب إلى عمر: إني قد نزلت بالكوفة منزلا فيما بين الحيرة والفرات بريا وبحريا تنبت الحلفاء والنصي وخيرت المسلمين بينها وبين المدائن، فمن أعجبه المقام بالمدائن تركته فيها كالمسلحة، ولما استقروا بها عرفوا أنفسهم ورجع إليهم ما كانوا فقدوا من قوتهم.
واستأذن أهل الكوفة في بنيان القصب، واستأذن فيه أهل البصرة أيضا، واستقر منزلهم فيها في الشهر الذي نزل فيه أهل الكوفة بعد ثلاث نزلات قبلها.
فكتب إليهم: أن العسكر أشد لحربكم وأذكر لكم وما أحب أن أخالفكم.
فابتنى أهل المصرين بالقصب، ثم إن الحريق وقع في الكوفة والبصرة وكانت الكوفة أشد حريقا في شوال، فبعث سعد نفرا منهم إلى عمر يستأذنونه في البنيان باللبن، فقدموا عليه بخبر الحريق واستئذانه أيضا فقال: افعلوا ولا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة.
فرجع القوم إلى الكوفة بذلك، وكتب عمر إلى البصرة بمثل ذلك، وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك، وعلى تنزيل البصرة عاصم بن دلف أبو الجرباء، وقدر المناهج أربعين ذراعا وما بين ذلك عشرين ذراعا، والأزقة سبعة أذرع والقطائع ستين ذراعا.