فأخذ الكلبتين فانتزعه، فساعة انتزعه مات رضوان الله عليه، ولعن قاتله وخاذله، وكان له يوم قتله اثنتان وأربعون سنة على ما نص عليه ابن سعد في الطبقات (1) والمقريزي في الخطط (2) والشيخ المفيد في الإرشاد (3)، وعلى ذلك جمهور المؤرخين (4).
لما بلغ يوسف بن عمر قتل زيد، أقبل من الحيرة ودخل الكوفة ورقى المنبر وخطب خطبة هدد بها أهل الكوفة، ثم نزل وبعث أصحابه يطوفون في دور الكوفة يلتمسون الجرحى، فكانوا يخرجون النساء إلى صحن الدار ويفتشون البيوت، ثم نادى مناديه: ألا من جاء برأس فله خمسمائة درهم.
فجاءه محمد بن عباد برأس نصر بن خزيمة، فأمر له بألف درهم، وجاءه الأحول مولى الأشعريين برأس معاوية بن إسحاق فقال له: أنت قتلته؟
قال: لا، ولكني رأيته فعرفته.
فأمر له بسبعمائة درهم ولم يمنعه من الألف إلا أنه لم يقتله.
لما قتل زيد اختلف أصحابه في دفنه ومواراته، بصورة تخفى عن الأعداء خوفا من إخراجه والتمثيل به، فقال بعضهم: نلبسه درعه ونطرحه في الماء، وهذه الوسيلة تمناها الصادق (عليه السلام)، قال لسليمان بن خالد: «كم بين الموضع الذي واروه فيه وبين الفرات؟» قال سليمان: قذفة حجر.
فقال الصادق (عليه السلام): «سبحان الله، أفلا كنتم أوقرتموه حديدا وقذفتموه في الفرات وكان أفضل» (5).
وأشار بعض من حضر من أصحابه بدفنه في العباسية وهي النخيلة، وارتأى آخرون حز رأسه وإلقاءه بين القتلى حتى لا يعرف.