حروب طاحنة مع ابن مطيع عامل ابن الزبير أولا، حتى نفي من الكوفة مخذولا، ومع مصعب بن الزبير وفيها كانت شهادة المختار أخيرا ووقعة الخازر (1)، ولقد عادت مجزرة كبرى لزبائن الكفر والإلحاد من طغمة الأمويين، وفيها مقتل ابن زياد ابن أبيه الموجف على ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيله ورجله، وقبلها وقعة ابن زياد مع يزيد بن أنس الأسدي (رحمه الله)، وفيها توفي يزيد المذكور، وبينهما انتكاث الكوفيين على المختار، واستعادته ابن الأشتر عن مسيره إلى ابن زياد، حتى أخمد لهبهم وفرقهم أيدي سبأ (2)، ثم ارتجع عائدا إلى مناضلة ابن زياد، فكان إذ ذاك من الأمر الذي دبر بليل لانثيال المسلمين عنه، أن عزوا إليه دعوة النبوة ونزول الوحي عليه، فإنهم كانوا ولا يبرحون يكفرون صاحب تلك الدعوى ويوجبون قتله ولإنفضاض خصوص الشيعة عنه، أن قذفوه بحب أضداد أهل البيت (عليهم السلام) تارة، وبعدم الاستقامة في طريقته أخرى، ولتثبط أهل النسك والعبادة الذين كانوا معه عنه.
عملوا له كل قول مائن من نسبة الكذب إليه آونة، وحب الملك والجاه، وأن ما تظاهر به من الدعاية إلى إدراك الثأر، كان فخا من فخوخه يصطاد به البسطاء طورا إلى غير ذلك، وألقوا إلى زعماء الكوفة أنه يزلف إليه أبناء العجم ويشركهم مع العرب في الفيء ويسلط الموالي على السادات، فخذلوا فريقا منهم عن نصرته.
هكذا كانت تأتي المختار القذائف والطامات، حتى إذا بعد المدى حسبت الأغرار تلك اللهجات حقائق ذهبت بها الأعصر الخالية، وأني لا أعجب ممن قال ذلك في العصور المظلمة، من الذين حدت بهم الأهواء والميول، وإنما العجب كله ممن نشأ في عصر النور وبلغ من الحنكة أن عاد مدرسا في جامعة كمثل الأزهر، كمثل الشيخ علي محفوظ في كتابه وهو يقتص أثر أولئك المهملجين مع الشهوات، وإن كان شواظ الحقد الثائر يقذف بصاحبه إلى حيث تنيخ العصبية العمياء.
كان بين المختار وبين عبد الله بن الزبير إحن مستحكمة، فإن ابن الزبير كان