يطمع في أن يضمه إليه ويتخذه عضدا له في قيادة الجيوش وإخضاع البلاد له، والمختار كان على بصيرة من أمره وسداد في عقله، يتحرى نيل الأمنية الوحيدة من إدراك الأوتار التي لم تزل تتغلغل بين صدره والتراقي، وقد أحنى عليه أضالعه منذ بشر بتلك السعادة الرابحة وهو يطوي الجديدين، يتطلب وليجة إلى ذلك من أي الطرق وسعة، حتى حسب بصيصا منه في جانب ابن الزبير، لأنه قبل هلاك يزيد بن معاوية كان ربما يهتف بثارات الحسين (عليه السلام) وأصحابه، ويغري الناس بيزيد ويوثبهم عليه، لأنه كان يجده أقرب الوسائل إلى التنكيل به وهدم قوى الأمويين، فلما هلك يزيد أعرض عنه، فبان أنه كان يطلب الملك لنفسه، وأن ما كان يبديه من ذلك كان فخا من فخوخه يصطاد به شيعة آل محمد (عليهم السلام) على ما كان هو عليه من نزعته العثمانية، وسوابقه فيها معلومة منذ عهد الجمل إلى أن قتل، وإذا تواصلت الأنباء بمظاهراته تلك إلى المختار يممه عسى يجد عنده بغيته، لكنه بالرغم من حرصه على تلك الأمنية ألفاه - بعد أن خبره ردحا - وقد قلب ظهر المجن ومحض الدعوة لنفسه من غير ما جدارة أو حنكة فانتكص عنه وقال:
ذو مخاريق وذو مندوحة * وركابي حيث وجهت ذلل لأبيتن منزلا تكرهه * فإذا زلت بك النعل فزل فخرج من مكة متوجها إلى الكوفة، فلقي في طريقه هاني بن أبي حية الوداعي فسأله عن أهلها.
فقال: لو كان لهم رجل يجمعهم على شيء واحد لأكل الأرض بهم.
فقال المختار: أنا والله أجمعهم على الحق، وألقي بهم ركبان الباطل، وأقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.
ثم سأله المختار عن سليمان بن صرد هل توجه لقتال المحلين؟
قال: لا، ولكنهم عازمون ذلك.
ثم سار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة يوم الجمعة، فنزل واغتسل ولبس ثيابه وتقلد سيفه وركب فرسه ودخل الكوفة نهارا، لا يمر على مسجد القبائل ومجالس القوم ومجتمع المحال، إلا وقف وسلم وقال: أبشروا بالفرج، فقد جئتكم