يريدون الفتك به بكل ما يسعهم من عوامل الوقيعة فيه من كلام قاتل وكلام شائن، يستثير عليه العواطف ويبلغ به لأجله اللغوب (1) فتا في عضده وتشتيتا لقوته التي كان عليها في سبيل مبتغاه، لأن يصرفها في تدمير العدو وإبادة نفوذه، فهو يحسب من سعادته أن يكتفي في ملاشاة أضداده بتفخيذ الملأ عنها وتنفير الجامعة منها، أو استجاشة الأفئدة عليها مهما أمكنه، ويكون له منتدح (2) عن سوق العساكر والإنفاق في سبيله من الأموال والنفوس مهما كان هو الغالب على السلطة، وعلى الأقل يكون فيه تبريرا لعمله وصونا لحسن سمعته عن الوقيعة.
كانت الشهوات تختلف في رمي الأعداء بأنواع من القذائف حسب الظروف والأحوال والمباءات (3) التي تكون فيها، فهي في الأوساط الدينية غيرها في الحواضر السياسية، كما أنها في الجامعات المدنية غيرها في الوحشية.
كان المختار يوم نهض بأمره في محيط عريق في الإسلامية، هنالك منهم أمم متهالكون في ولاء أهل البيت (عليهم السلام)، وهم الذين لاثوا به وأخذوا بناصره، وعاصمة ملكه هي الكوفة، وفيها أشراف العرب وزعماؤهم وذوو النجدة والبأس منهم، وكانت البغضاء متواصلة بينه وبين ابن الزبير، الذي كان يطمع فيه أن يخضع له العباد والبلاد، فلم يفلس منه (4) إلا وقد أفلت عن سيطرته ممالك وأمصار، أضف إلى ذلك ما كانت تحتدم بينه وبين عبد الملك من الأحقاد، شأن كل علوي في دينه وأموي في هواه، غير ما كان يحقده على إشغاله فراغا واسعا من فضاء الملك، خسره المقعي يومذاك على أنقاض مملكة الإسلام.
كل ذلك وفي حشوة الناس ورعاعهم قتلة السبط الشهيد صلوات الله عليه، الذين توطدت إمرة المختار باجتياح أصولهم واكتساح أشواكهم المتكدسة أمام السير الديني والبشري، وفيهم ذوو رأي وشيطنة ورئاسة، غير من كان يلتف منهم بالرايتين الزبيرية والأموية.
كل هذه كانت كمراجل تغلي على المختار غيظا وحنقا، ومن جرائها كانت