الحديث سرا، فقال له جويرية: يا أمير المؤمنين، إني رجل نساء.
فقال: «أنا أعيد عليك الحديث لتحفظه»، ثم قال في آخر ما حدثه إياه: «يا جويرية أحب حبيبنا ما أحبنا، فإذا أبغضنا فأبغضه، وأبغض بغضنا ما أبغضنا، فإذا أحبنا فأحبه».
قال: فكان ناس ممن يشك في أمر علي (عليه السلام) يقولون: أتراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله؟
قال: يقولون ذلك لشدة اختصاصه له، حتى دخل على علي (عليه السلام) يوما وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه فنادى به جويرية: أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.
قال: فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال: «وأحدثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتعتلن (1) إلى العتل الزنيم وليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر».
قال: فوالله ما مضت الأيام على ذلك حتى أخذ زياد اللعين جويرية فقطع يده ورجله، وصلب إلى جانب (جذع) ابن معكر، وكان جذعا طويلا فصلبه على جذع قصير إلى جانبه (2).
كان زياد بن أبيه ممن نصب العداء لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان يتتبع أصحاب علي (عليه السلام) وهو بهم أبصر فيقتلهم تحت كل حجر ومدر، وكان عبد الرحمن بن حسان العنزي من أصحاب علي (عليه السلام)، أقام بالكوفة يحرض الناس على بني أمية، فقبض عليه زياد وأرسله إلى الشام، فدعاه معاوية إلى البراءة من علي (عليه السلام) فأغلظ عبد الرحمن في الجواب، فرده معاوية إلى زياد فقتله سنة 51 (3).