نبيكم؟ ألم أنع لكم وتنعي لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي ممن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق وإنكم لاحقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصي المهاجرين فيما بينهم، وإن الله عز وجل قال: ﴿والعصر إن الإنسان لفي خسر﴾ (1) إلى آخرها، وإن الأمور تجري بإذن الله تعالى، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) (2) وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنهم الذين يتبؤوا الدار والإيمان، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يتوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن إن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وأنا فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض حين أعرض مما بين، بصري الشام، وصنعاء اليمن، فصب فيه ميزاب الكعبة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، من يشرب منه لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كله، ألا فمن أحب أن يرد على غدا فليكفف يده ولسانه إلا مما ينبغي.
فقال العباس - رضي الله تبارك وتعالى عنه -: يا نبي الله، أوص بقريش، فقال: إنما أوصي بهذا الأمر قريشا، الناس تبع لقريش من أبرهم وفاجرهم فاستوصوا، إن قريشا بالناس خيرا، يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القسم، وإذا بر الناس برهم أئمتهم وإذا فجروا عقوهم، قال الله عز وجل: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون). (3)