قال حبيب بن الربيع: لأن إعادة التأويل في لفظ صراح لا يقبل، لأنه امتهان وهو غير معزر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا موقر له فوجب إباحة دمه.
وأفتي أبو عبد الله بن عتاب في عشار قال لرجل: أد واشتك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن سألت أو جهلت فقد جهل، وسأل النبي بالقتل وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقة الطليطلي وصلبه بما شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وختن حيدرة، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها، إلى أشباه لهذا، وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعرا متفننا في كثير من العلوم وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس بن أبي طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا صلى الله عليه وسلم فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه فطعن بالسكين وصلب منكسا ثم أنزل وأحرق بالنار.
حكى بعض المؤرخين: أنه لما رفعت خشبته وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلة فكان آية للجميع، وكبر الناس، وجاء كلب فولغ في دمه، فقال يحيى بن عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر حديثا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يلغ الكلب في دم مسلم. وقال القاضي أبو عبد الله بن المرابط: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم هزم يستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأنه ينتقصه. إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته صلى الله عليه وسلم هو على بصيرة من أمره، ويعلن عن عصمته.
وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك وأصحابه: أن من قال فيه صلى الله عليه وسلم ما فيه نقص قتل دون استتبابة، وقال ابن عتاب: الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي صلى الله عليه وسلم بأذى أو نقص معرضا أو مصرحا وأن قل فقتله واجب.
فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله، لم يختلفوا في ذلك، متقدمهم ولا متأخرهم، وإن اختلفوا في حكم قتله، وكذلك أقول:
حكم من غمصه أو عيره برعاية الغنم، أو السهو، أو النسيان، أو السحر، أو ما أصابه من جرح، أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدة من زمنة أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كله بمن قصد به نقصه، القتل.