الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار وقد بلغ مني العطش فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله! إن هذا الرجل يمشي وحده، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله! هذا أبو ذر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دنوت منه فقال: مرحبا بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفا، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى (1) فأتي بإناء من ماء فشربه.
فلما أخرجه عثمان - رضي الله تبارك وتعالى عنه - إلى الربذة وأصابه قدره، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما فقال: غسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق إذا أنا مت. وأقبل ابن مسعود - رضي الله تبارك وتعالى عنه - في رهط من أهل العراق عمارا، فلم يرعهم إلا بالجنازة على قارعة الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فسلم القوم، فقام إليهم غلامه فقال لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينوني عليه، فاستهل ابن مسعود - رضي الله تبارك وتعالى عنه - يبكي ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمشي أبو ذر وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ثم نزل هو وأصحابه حتى واروه، ثم حدثهم ابن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك (2).
وذكر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، حدث علي بن المديني قال: حدثني يحيى بن سليم (الطائفي) (3) قال: حدثني عبد الله بن خيثم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر زوجة أبي ذر قالت:
لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك؟ ولا يد لي للقيام بجهازك، قال: فأبشري لا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: