فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، واقبلوا نصحي ولا تستعصوني، فوالله ما قدم وافد قط على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم، فاتهموه، واستغشوه، وقالوا: قد واللات وقع في أنفسنا حيث لم تقرب الربة، ولم تحلق رأسك عندها أنك قد صبوت فآذوه ونالوا منه، وحلم عليهم، فخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به حتى إذا طلع الفجر أوفى على غرفة له، فأذن بالصلاة، فرماه رجل من رهطه من الأحلاف يقال له:
وهب ابن جابر، ويقال: الذي رماه أوس بن عوف من بني مالك، وهذا أثبت عندنا.
وكان عروة رجل من الأحلاف فأصاب أكحله (1) فلم يرقأ دمه (2) وحشد قومه في السلاح وجمع الآخرون وتجايشوا، فلما رأى عروة ما يصنعون قال:
لا تقتلوا في، فإني قد تصدقت بدمي على صاحبه ليصلح بذلك نبيكم، فهي كرامة الله أكرمني بها، الشهادة ساقها الله إلي، أشهد أن محمدا رسول الله، والله أخبرني عنكم هذا أنكم تقتلونني، ثم قال لرهطه: ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، قال: فدفنوه معهم، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله، فقال: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله - تعالى - فقتلوه.
ويقال: إن عروة لم يقدم المدينة وإنما لحق رسول الله بين مكة والمدينة فأسلم، ثم انصرف، والقول الأول أثبت عندنا، فلما قتل عروة قال ابنه أبو مليح بن عروة بن مسعود وابن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود لأهل الطائف: لا نجامعكم على شئ أبدا، وقد قتلتم عروة، ثم لحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: توليا من شئتما، قالا: نتولى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وخالكما أبو سفيان بن حرب، حالفاه ففعلا، ونزلا على المغيرة بن شعبة، فأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف في رمضان سنة تسع والله - تعالى - أعلم.