قال: فخرجت غطفان على الصعب والذلول، وكان أمرا صنعه الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا أخبر كنانة بن أبي الحقيق وهو في الكتيبة بانصرافهم، فسقط في يديه (1)، وذل، وأيقن بالهلكة وقال: كنا من هؤلاء الأعراب في باطل، إنا سرنا فيهم فوعدونا النصر، وغزونا، ولعمري لولا ما وعدونا من نصرهم ما نابذنا محمدا بالحرب، ولم نحفظ كلام سلام بن أبي الحقيق إذ قال: لا تستنصروا بهؤلاء الأعراب أبدا فإنا قد بلوناهم، وجلبهم لنصر بني قريظة ثم غروهم، فلم نر عندهم وفاء لنا، وقد سار فيهم حيي بن أخطب، وجعلوا يطلبون الصلح من محمد، ثم زحف محمد إلى بني قريظة، وانكشفت غطفان راجعة إلى أهلها.
قالوا: فلما انتهى الغطفانيون إلى أهلهم بحيفاء، وجدوا أهلهم على حالهم، فقالوا: هل راعكم شئ؟ قالوا: لا والله، فقالوا ولقد ظننا أنكم قد غنمتم، فما نرى معكم غنيمة ولا خيرا.
فقال عيينة لأصحابه: هذا والله من مكائد محمد وأصحابه خدعنا والله، فقال له الحارث بن عوف: بأي شئ؟ قال عيينة: إنا في حصن النطاة بعد هدأة (2)، إذا سمعنا صائحا يصيح، لا ندري من السماء أو من الأرض! أهلكم، أهلكم بحيفاء، صيح ثلاثة فلا تربة، ولا مال.
فقال الحارث بن عوف: يا عيينة والله لقد غبرت أن انتفعت والله إن الذي سمعت لمن السماء، والله ليظهرن محمد على من ناوأه، حتى لو ناوأته الجبال لأدرك منها ما أراد، فأقام عيينة أياما في أهله، ثم دعا أصحابه للخروج إلى نصر اليهود، فجاءه الحارث بن عوف، فقال: يا عيينة أطعني، وأقم في منزلك، ودع نصر اليهود، (محمد أحب إلينا من اليهود) مع أني لا أراك ترجع إلى خيبر، إلا وقد فتحها محمد صلى الله عليه وسلم ولا آمن عليك، فأبى عيينة أن يقبل قوله، وقال: لا أسلم حلفائي لشئ، ولما ولي عيينة إلى أهله، هجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحصون حصنا حصنا، فلقد انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حصن