الحصن، فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم: إني أريد إن أكلم عيينة بن حصن، فأراد عيينة أن يدخله الحصن، فقال مرحب: لا ندخله فيرى خلل حصننا، ويعرف نواحيه التي يؤتى منها ولكن تخرج إليه، فقال عيينة: وقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عددا كبيرا، فأبى مرحب أن يدخله، فخرج عيينة إلى باب الحصن.
فقال سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك يقول: إن الله قد وعدني خيبر، فارجعوا، وكفوا فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة، فقال عيينة:
بلغه عني أنا والله ما كنا لنسلم حلفاءنا لشئ، وإنا لنعلم ما لك، ولمن معك، بما ها هنا طاقة، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة، ورجال عددهم كثير وسلاح، إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح ولا والله، ما هؤلاء كقريش، قوم ساروا إليك، فإن أصابوا منك فذاك الذي أرادوا، وإلا انصرفوا، وهؤلاء قوم يماكرونك الحرب، ويطاولونك حتى تملهم.
فقال له سعد بن عبادة: أشهد ليحضرنك في حصنك هذا حتى تطلب الذي عبادة عرضنا عليك، فلا نعطيك إلا السيف، ولقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب، كيف مزقوا كل ممزق! فرجع سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قال، وقال سعد: يا رسول الله إن الله منجز لك ما وعدك، ومظهر دينه، فلا تعطه (1) تمرة واحدة يا رسول الله، لئن أخذه السيف ليسلمنهم وليهربن إلى بلاده، كما فعل قبل ذلك اليوم في الخندق، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يوجهوا إلى حصنهم الذي فيه غطفان، وذلك عشية وهم في حصن ناعم.
فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصبحوا على رايتكم عند حصن ناعم الذي فيه غطفان، قال: فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحا يصيح، لا يدرون من السماء أو الأرض: يا معشر غطفان أهلكم، أهلكم، الغوث، الغوث بحيفاء صيح ثلاثة لا تربه ولا مال.