على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبرونا عنهم، فننظر في ذلك فنجده بريئا تقيا وفيا، ونجدهم فجرة غدرة كذبة، وهم يحاولون غير ما يظهرون، فلما قووا كاثروه، واقتحموا عليه داره، واستحلوا الدم الحرام، والشهر الحرام، والبلد الحرام، بلا وترة ولا عذر، إلا أن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره، أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله، وقرأت: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله﴾ (1) الآية، فافترق أصحاب عثمان فرقتين، فرقة قالت: صدقت وبرت، وقال الآخرون: كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به! وأقيل جارية بن قدامة السعدي وقال: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك!
إنه من رأى قتالك يرى قتلك! لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس وأقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحاب عائشة رماحهم، وأمسكوا ليمسك حكيم وأصحابه، فلم ينته وقاتلهم وأصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها، فاقتتلوا على فم السكة، وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا إلى مقبرة بني مازن وحجز الليل بينهم ورجع عثمان إلى القصر، وأتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون وبات الناس يأتونهم، واجتمعوا بساحة دار الرزق، فغاداهم حكيم بن جبلة العبدي وهو يسب وبيده الرمح، فقال له رجل من عبد القيس: من هذا الذي تسبه؟ قال: عائشة، قال:
يا ابن الخبيثة ألام المؤمنين تقول هذا؟ فطعنه حكيم فقتله، ثم مر بامرأة وهو يسبها أيضا، فقالت له: ألام المؤمنين تقول هذا يا ابن الخبيثة؟ فطعنها فقتلها، ثم سار فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في الفريقين، فلما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا، فكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسأل أهلها، فإن كان طلحة والزبير أكرها خرج عثمان بن حنيف عن