وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام وسفكوه، وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء وما الناس فيه وراءنا، وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة، وقرأت:
﴿لا خير في كثير نجواهم﴾ (1) الآية، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به، ومنكر ننهاكم عنه.
فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة وقالا: ما أقدمك؟
فقال: الطلب بدم عثمان، فقالا: ألم تبايع عليا؟ بلى والسيف على عنقي وما أستقيل عليا البيعة إن هو لم يحل بيننا وبينا قتلة عثمان. ثم أتيا الزبير فقالا:
له مثل قولهما لطلحة، وقال لهما مثل قول طلحة، فرجعا إلى عثمان بن حنيف ونادى مناديهما بالرحيل.
فقال عثمان: إنا لله وإنا إليه راجعون، دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان تزيف، فقال عمران: إي والله لتعركنكم عركا طويلا قال:
فأشر علي يا عمران، قال: اعتزل فإني قاعد، قال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين. فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بلبس السلاح، فاجتمعوا إلى المسجد وأمرهم بالتجهز، وأمر رجلا دسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال: أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي، إن هؤلاء القوم إن كانوا جاؤوا خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان، فأطيعوني وردوهم من حيث جاؤوا. فأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، فاجتمع القوم بالمربد، فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد، وعثمان في ميسرته، فأنصتوا له، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر عثمان وفضله وما استحل منه، ودعا إلى الطلب بدمه وحثهم عليه وكذلك الزبير، فتكلمت عائشة، وكانت جهورية الصوت، فحمدت الله وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون