إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ١٣ - الصفحة ١٥
وخرجه مسلم من حديث مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها - أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بسبحة الضحى قط وإني لأسبحها وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.
وخرجه أبو داود (1) من حديث مالك بهذا الإسناد كما قال البخاري.
وخرج مسلم (2) من حديث سعيد الجريري، عن عبد الله بن شفيق قال:
قلت لعائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها - هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجئ من مغيبه.

(1) سبق تخريجه.
(2) (مسلم بشرح النووي): 5 / 237، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (13) استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها، حديث رقم (717).
قال الإمام النووي: هذه الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق، وحاصلها أن الضحى سنة مؤكدة، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وبينهما أربع أو ست، كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان.
وأما الجمع بين حديثي عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها -. في نفي صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى وإثباتها، فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعض الأوقات لفضلها، ويتركها في بعض خشية أن تفرض كما ذكرته عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها -. ويتأول قولها: " ما كان يصليها إلا أن يجئ من مغيبه " على أن معناه ما رأيته، كما قالت في الرواية الثانية: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى " وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، فإنه قد يكون في ذلك مسافرا، وقد يكون حاضرا، ولكنه في المسجد أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه، فإنما كان لها يوم من تسعة، فيصح قولها: ما رأيته يصليها، وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره، أنه صلاها، أو يقال:
قولها: " ما كان يصليها "، أي ما يداوم عليها، فيكون نفيا للمداومة، لا لأصلها، والله - تبارك وتعالى - أعلم.
وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: " هي بدعة "، فمحمول على أن صلاتها في المسجد، والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لأن أصلها في البيوت ونحوها مذموم. أو يقال: قوله: " بدعة " أي المواظبة عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث أبي الدرداء وأبي ذر، أو يقال:
إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى، وأمره بها، وكيف كان؟ فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود، وابن عمر - رضي الله تبارك وتعالى عنهما -، والله - تبارك وتعالى - أعلم. (شرح النووي).
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست