بالرصافة أياما ثم شخص إلى البرية، فاستأذنه سليمان بن هشام أن يقيم هناك أياما ليستريح ويجم ظهره فأذن له، فانحدر مروان فنزل عند واسط على شط الفرات فأقام ثلاثا ثم مضى إلى قرقيسيا، وابن هبيرة بها ليبعثه إلى العراق لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي الحروري، واشتغل مروان بهذا الامر، وأقبل عشرة آلاف فارس ممن كان مروان قد بعثهم في بعض السرايا، فاجتازوا بالرصافة وفيها سليمان بن هشام بن عبد الملك الذي كان استأذن الخليفة في المقام هنا للراحة، فدعوه إلى البيعة له وخلع مروان بن محمد ومحاربته، فاستنزله الشيطان فأجابهم إلى ذلك، وخلع مروان وسار بالجيوش إلى قنسرين، وكاتب أهل الشام فانفضوا إليه من كل وجه، وكتب سليمان إلى ابن هبيرة الذي جهزه مروان لقتال الضحاك بن قيس الخارجي يأمره بالمسير إليه، فالتف إليه نحو من سبعين ألفا، وبعث مروان إليهم عيسى بن مسلم في نحو من سبعين ألفا فالتقوا بأرض قنسرين فاقتتلوا قتالا شديدا، وجاء مروان والناس في الحرب فقاتلهم أشد القتال فهزمهم وقتل يومئذ إبراهيم بن سليمان بن هشام، وكان أكبر ولده، وقتل منهم نيفا وثلاثين ألف، وذهب سليمان مغلوبا فأتى حمص فالتف عليه من انهزم من الجيش فعسكر بهم فيها، وبنى ما كان مروان هدم من سورها. فجاءهم مروان فحاصرهم بها ونصب عليهم نيفا وثمانين منجنيقا، فمكث كذلك ثمانية (1) أشهر يرميهم ليلا ونهارا، ويخرجون إليه كل يوم ويقاتلون ثم يرجعون. هذا وقد ذهب سليمان وطائفة من الجيش معه إلى تدمر وقد اعترضوا جيش مروان في الطريق وهموا بالفتك به وأن ينتهبوه فلم يمكنهم ذلك، وتهيأ لهم مروان فقاتلهم فقتلوا من جيشه قريبا من ستة آلاف وهم تسعمائة، وانصرفوا إلى تدمر، ولزم مروان محاصرة حمص كمال عشرة أشهر، فلما تتابع عليهم البلاء، ولزمهم الذل، سألوه أن يؤمنهم فأبى إلا أن ينزلوا على حكمه، ثم سألوه الأمان على أن يمكنوه من سعيد بن هشام وابنيه مروان وعثمان ومن السكسكي الذي كان حبس معه، ومن حبشي كان يفتري عليه ويشتمه فأجابهم إلى ذلك فأمنهم وقتل أولئك، ثم سار إلى الضحاك، وكان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز نائب العراق قد صالح الضحاك الخارجي على ما بيده من الكوفة وأعمالها، وجاءت خيول مروان قاصدة إلى الكوفة، فتلقاهم نائبها من جهة الضحاك - ملحان الشيباني - فقاتلهم فتقل ملحان، واستناب الضحاك عليها المثنى بن عمران من بني عائذة، وسار الضحاك في ذي القعدة إلى الموصل، وسار ابن هبيرة إلى الكوفة فانتزعها من أيدي الخوارج، وأرسل الضحاك جيشا إلى الكوفة فلم يجد شيئا.
وفي هذه السنة خرج الضحاك بن قيس الشيباني، وكان سبب خروجه أن رجلا يقال له سعيد بن بهدل - وكان خارجيا - اغتنم غفلة الناس واشتغالهم بمقتل الوليد بن يزيد، فثار في جماعة من الخوارج بالعراق، فالتف عليه أربعة آلاف - ولم تجتمع قبلها لخارجي - فقصدتهم الجيوش فاقتتلوا معهم، فتارة يكسرون وتارة يكسرون، ثم مات سعيد بن بهدل في طاعون أصابه، واستخلف على