يوسف بن القاضي أبي يوسف سمع الحديث من السري بن يحيى، ويونس بن أبي إسحاق، ونظر في الرأي وتفقه، وولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد في حياة أبيه أبي يوسف، وصلى بالناس الجمعة بجامع المنصور عن أمر الرشيد. توفي في رجب من هذه السنة وهو قاضي ببغداد.
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائة قال ابن جرير: في المحرم منها توفي الفضل بن يحيى، وقال ابن الجوزي توفي الفضل في سنة ثنتين وتسعين كما تقدم. وما قاله ابن جرير أقرب. قال: وفيها توفي سعيد الجوهري، قال: وفيها وافى الرشيد جرجان وانتهت إليه خزائن علي بن عيسى تحمل على ألف وخمسمائة بعير، وذلك في صفر منها، ثم تحول منها إلى طوس وهو عليل، فلم يزل بها حتى كانت وفاته فيها. وفيها تواقع هرثمة نائب العراق هو ورافع بن الليث فكسره هرثمة وافتتح بخارى وأسر أخاه بشير بن الليث، فبعثه إلى الرشيد وهو بطوس قد ثقل عن السير، فلما وقف بين يديه شرع يترقق له فلم يقبل منه، بل قال: والله لو لم يبق من عمري إلا أن أحرك شفتي بقتلك لقتلتك، ثم دعا بقصاب فجزأه بين يديه أربعة عشر عضوا، ثم رفع الرشيد يديه إلى السماء يدعو الله أن يمكنه من أخيه رافع كما مكنه من أخيه بشير.
وفاة الرشيد كان قد رأى وهو بالكوفة رؤيا أفزعته وغمه ذلك، فدخل عليه جبريل بن بختيشوع فقال: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فقال: رأيت كفا فيها تربة حمراء خرجت من تحت سريري وقائلا يقول: هذه تربة هارون. فهون عليه جبريل أمرها وقال: هذه من أضغاث الأحلام من حديث النفس، فتناسها يا أمير المؤمنين. فلما سار يريد خراسان ومر بطوس واعتقلته العلة بها، ذكر رؤياه فهاله ذلك وقال لجبريل:
ويحك! أما تذكر ما قصصته عليه من الرؤيا؟ فقال: بلى. فدعا مسرورا الخادم وقال: ائتني بشئ من تربة هذه الأرض، فجاءه بتربة حمراء في يده، فلما رآها قال: والله هذه الكف التي رأيت، والتربة التي كانت فيها. قال جبريل: فوالله ما أتت عليه ثلاث حتى توفي، وقد أمر بحفر قبره قبل موته في الدار التي كان فيها، وهي دار حميد بن أبي غانم الطائي، فجعل ينظر إلى قبره وهو يقول: يا بن آدم تصير إلى هذا. ثم أمر أن يقرأوا القرآن في قبره، فقرأوه حتى ختموه وهو في محفة على شفير القبر ولما حضرته الوفاة احتبى بملاءة وجلس يقاسي سكرات الموت، فقال له بعض من حضر: لو اضطجعت كان أهون عليك. فضحك ضحكا صحيحا ثم قال: أما سمعت قول الشاعر:
وإني من قوم كرام يزيدهم * شماسا وصبرا شدة الحدثان