كان قد دخل إلى بلاد المغرب فرارا من عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، فاجتاز بمن معه من أصحابه الذين فروا معه بقوم يقتتلون على عصبية اليمانية والمضرية، فبعث مولاه بدرا إليهم فاستمالهم إليه فبايعوه ودخل بهم ففتح بلاد الأندلس واستحوذ عليها وانتزعها من نائبها يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري وقتله. وسكن عبد الرحمن قرطبة واستمر في خلافته في تلك البلاد من هذه السنة إلى سنة ثنتين وسبعين ومائة. فتوفي فيها وله في الملك أربع وثلاثون سنة وأشهر. ثم قام من بعده ولده هشام ست سنين وأشهرا. ثم مات فولي بعده الحكم بن هشام ستا وعشرين سنة وأشهرا ثم مات. ثم ولي بعده ولده عبد الرحمن بن الحكم ثلاثا وثلاثين سنة ثم مات. ثم ولي بعده محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ستا وعشرين سنة. ثم ابنه المنذر بن محمد، ثم أخوه عبد الله بن محمد بن المنذر. وكانت أيامه بعد الثلاثمائة بدهر، ثم زالت تلك الدولة كما سنذكره من زوال تلك السنون وأهلها وما قضوا فيها من النعيم والعيش الرغيد والنساء الحسان ثم انقضت تلك السنوات وأهلها كأنهم على ميعاد، ثم أضحوا كأنهم ورق جف ألوت عليه الصبا والذبول.
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة فيها أكمل صالح بن علي بناء ملطية ثم غزا الصائفة على طريق الحديث، فوغل في بلاد الروم، وغزا معه أختاه أم عيسى ولبابة ابنتا علي، وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن يجاهدا في سبيل الله عز وجل. وفيها كان الفداء الذي حصل بين المنصور وبين ملك الروم، فاستنقذ بعض أسرى المسلمين ثم لم يكن للناس صائفة في هذه السنة إلى سنة ست وأربعين، وذلك لاشتغال المنصور بأمر ابني عبد الله بن حسن كما سنذكره. ولكن ذكر بعضهم (1) أن الحسن بن قحطبة غزا الصائفة مع عبد الوهاب بن إبراهيم الامام سنة أربعين فالله أعلم.
وفيها وسع المنصور المسجد الحرام، وكانت هذه السنة خصبة جدا - أي كثيرة الخصب فكان يقال لها السنة الخصبة - وقيل إنما كان ذلك في سنة أربعين. وفيها عزل المنصور عمه سليمان عن إمرة البصرة، فاختفى عبد الله بن علي وأصحابه خوفا على أنفسهم، فبعث المنصور إلى نائبه على البصرة، وهو سفيان بن معاوية، يستحثه في إحضار عبد الله بن علي إليه، فبعثه في أصحابه فقتل بعضهم وسجن عبد الله بن علي عمه، وبعث بقية أصحابه إلى أبي داود نائب خراسان فقتلهم هناك.
وحج بالناس فيها العباس بن علي بن عبد الله بن عباس. وفيها توفي عمرو بن مجاهد، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، ويونس بن عبيد، أحد العباد وصاحب الحسن البصري.