ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة فيها وثبت طائفة من الحوفية (1) من قيس وقضاعة على عامل مصر إسحاق بن سليمان فقاتلوه وجرت فتنة عظيمة فبعث الرشيد هرثمة بن أعين نائب فلسطين في خلق من الأمراء مددا لإسحاق، فقاتلوهم حتى أذعنوا بالطاعة وأدوا ما عليهم من الخراج والوظائف، واستمر هرثمة نائبا على مصر نحوا من شهر عوضا عن إسحاق بن سليمان، ثم عزله الرشيد عنها وولى عليها عبد الملك بن صالح.
وفيها وثبت طائفة من أهل إفريقية فقتلوا الفضل بن روح بن حاتم وأخرجوا من كان بها من آل المهلب، فبعث إليهم الرشيد هرثمة فرجعوا إلى الطاعة على يديه. وفيها فوض الرشيد أمور الخلافة كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك. وفيها خرج الوليد بن طريف بالجزيرة وحكم بها وقتل خلقا من أهلها، ثم مضى منها إلى أرمينية فكان من أمره ما سنذكره. وفيها سار الفضل بن يحيى إلى خراسان فأحسن السيرة فيها وبنى فيها الربط والمساجد، وغزا ما وراء النهر، واتخذ بها جندا من العجم سماهم العباسية، وجعل ولاءهم له، وكانوا نحوا من خمسمائة ألف، وبعث منهم نحوا من عشرين ألفا إلى بغداد، فكانوا يعرفون بها بالكرمينية (2)، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة:
ما الفضل إلا شهاب لا أفول له * عند الحروب إذا ما تأفل الشهب حمام على ملك غر سهمهم * من الوراثة في أيديهم سبب أمست يد لبني ساقي الحجيج بها * كتائب ما لها في غيرهم أرب كتائب لبني العباس قد عرفت * ما ألف الفضل منها العجم والعرب أثبت خمس مئين في عدادهم * من الألوف التي أحصت لها الكتب يقارعون عن القوم الذين هم * أولى بأحمد في الفرقان إن نسبوا إن الجواد ابن يحيى الفضل لأورق * يبقى على جود كفيه ولا ذهب ما مر يوم له مذ شد مئزره * إلا تمول أقوام بما يهب كم غاية في الندى والبأس أحرزها * للطالبين مداها دونها تعب يعطي النهي (3) حين لا يعطي الجواد ولا * ينبو إذا سلت الهندية القضب ولا الرضى والرضى لله غايته * إلى سوى الحق يدعوه ولا الغضب قد فاض عرفك حتى ما يعادله * غيث ولا بحر له حدب وكان قد أنشده قبل خروجه إلى خراسان: