حتى أكون أنا أنفق عليه، فكان يأخذ منهم نفقاتهم ويكتب على كل صرة اسم صاحبها ويجمعها في صندوق، ثم يخرج بهم في أوسع ما يكون من النفقات والركوب، وحسن الخلق والتيسير عليهم، فإذا قضوا حجتهم فيقول لهم: هل أوصاكم أهلوكم بهدية، فيشتري لكل واحد منهم ما وصاه أهله من الهدايا المكية واليمنية وغيرها، فإذا جاؤوا إلى المدينة اشترى لهم منها الهدايا المدنية، فإذا رجعوا إلى بلادهم بعث من أثناء الطريق إلى بيوتهم فأصلحت وبيضت أبوابها ورمم شعثها، فإذا وصلوا إلى البلد عمل وليمة بعد قدومهم ودعاهم فأكلوا وكساهم، ثم دعا بذلك الصندوق ففتحه وأخرج منه تلك الصرر ثم يقسم عليهم أن يأخذ كل واحد نفقته التي عليها اسمه، فيأخذونها وينصرفون إلى منازلهم وهم شاكرون ناشرون لواء الثناء الجميل. وكانت سفرته تحمل على بعير وحدها، وفيها من أنواع المأكول من اللحم والدجاج والحلوى وغير ذلك، ثم يطعم الناس وهو الدهر صائم في الحر الشديد.
وسأله مرة سائل فأعطاه درهما فقال له بعض أصحابه: إن هؤلاء يأكلون الشواء والفالوذج، وقد كان يكفيه قطعة. فقال: والله ما ظننت أنه يأكل إلا البقل والخبز، فأما إذا كان يأكل الفالوذج والشواء فإنه لا يكفيه درهم. ثم أمر بعض غلمانه فقال: رده وادفع إليه عشرة دراهم. وفضائله ومناقبه كثيرة جدا.
قال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء على قبوله وجلالته وإمامته وعدله. توفي عبد الله بن المبارك بهيت (1) في هذه السنة في رمضانها عن ثلاث وستين سنة.
ومفضل بن فضالة ولي قضاء مصر مرتين، وكان دينا ثقة، فسأل الله أن يذهب عنه الامل فأذهبه، فكان بعد ذلك لا يهنئه العيش ولا شئ من الدنيا، فسأل الله أن يرده عليه فرده فرجع إلى حاله.
ويعقوب التائب العابد الكوفي، قال علي بن الموفق عن منصور بن عمار: خرجت ذات ليلة وأنا أظن أني قد أصبحت، فإذا علي ليل، فجلست إلى باب صغير وإذا شاب يبكي وهو يقول: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك ولكن سولت لي نفسي، وغلبتني شقوتي، وغرني سترك المرخى علي فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك عني؟ وا سوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي، يا ويلي كم أتوب وكم أعود، قد حان لي أن أستحي من ربي عز وجل. قال منصور