إنه مات خارج طرسوس بأربع مراحل فحمل إليها فدفن بها، وقيل إنه نقل إلى أذنة في رمضان فدفن بها فالله أعلم. وقد قال أبو سعيد المخزومي:
هل رأيت النجوم أغنت عن المأمون * شيئا أو ملكه المأسوس (1) خلفوه بعرصتي طرسوس * مثل ما خلفوا أباه بطوس وقد كان أوصى إلى أخيه المعتصم وكتب وصيته بحضرته وبحضرة ابنه العباس وجماعة القضاة والامراء والوزراء والكتاب. وفيها القول بخلق القرآن ولم يتب من ذلك بل مات عليه وانقطع عمله وهو على ذلك لم يرجع عنه ولم يتب منه، وأوصى أن يكبر عليه الذي يصلي عليه خمسا، وأوصى المعتصم بتقوى الله عز وجل والرفق بالرعية، وأوصاه أن يعتقد ما كان يعتقده أخوه المأمون في القرآن وأن يدعو الناس إلى ذلك، وأوصاه بعبد الله بن طاهر وأحمد بن إبراهيم وأحمد بن أبي دواد، وقال شاوره في أمورك ولا تفارقه، وإياك ويحيى بن أكثم أن تصحبه، ثم نهاه عنه وذمه وقال: خانني ونفر الناس عني ففارقته غير راض عنه. ثم أوصاه بالعلويين خيرا، أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن ميسئهم، وأن يواصلهم بصلاتهم في كل سنة.
وقد ذكر ابن جرير للمأمون ترجمة حافلة أورد فيها أشياء كثيرة لم يذكرها ابن عساكر مع كثرة ما يورده، وفوق كل ذي علم عليم.
خلافة المعتصم بالله أبي إسحاق بن هارون بويع له بالخلافة يوم مات أخوه المأمون بطرسوس يوم الخميس الثاني عشر (2) من رجب من سنة ثماني عشرة ومائتين، وكان إذ ذاك مريضا، وهو الذي صلى على أخيه المأمون، وقد سعى بعض الأمراء في ولاية العباس بن المأمون فخرج عليهم العباس فقال: ما هذا الخلف (3) البارد؟ أنا قد بايعت عمي المعتصم. فسكن الناس وخمدت الفتنة وركب البرد بالبيعة للمعتصم إلى الآفاق، وبالتعزية بالمأمون. فأمر المعتصم بهدم ما كان بناه المأمون في مدينة طوانة، ونقل ما كان حول إليها من السلاح وغيره إلى حصون المسلمين، وأذن الفعلة بالانصراف إلى بلدانهم، ثم ركب المعتصم بالجنود قاصدا بغداد وصحبته العباس بن المأمون، فدخلها يوم السبت مستهل رمضان في أبهة عظيمة وتجمل تام. وفيها دخل خلق كثير من أهل همذان وأصبهان وماسبذان ومهرجان في دين الخرمية، فتجمع منهم بشر كثير، فجهز إليهم المعتصم جيوشا كثيرة آخرهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب في جيش