بذلك الموضع أقبل الأميران بمن معهما من الجنود فأحاطوا ببابك وهرب ابن سنباط فلما رأوه جاؤوا إليه فقالوا: ترجل عن دابتك، فقال: ومن أنتما؟ فذكرا أنهم من عند الأفشين، فترجل حينئذ عن دابته وعليه دراعة بيضاء وخف قصير وفي يده باز، فنظر إلى ابن سنباط فقال: قبحك الله فهلا طلبت مني من المال ما شئت كنت أعطيتك أكثر مما يعطيك هؤلاء! ثم أركبوه وأخذوه معهما إلى الأفشين، فلما اقتربوا منه خرج فتلقاه وأمر الناس أن يصطفوا صفين، وأمر بابك أن يترجل فيدخل بين الناس وهو ماش، ففعل ذلك، وكان يوما مشهودا جدا. وكان ذلك في شوال من هذه السنة. ثم احتفظ به وسجنه عنده. ثم كتب الأفشين إلى المعتصم بذلك فأمره أن يقدم به وبأخيه، وكان قد مسكه أيضا.
وكان اسم أخي بابك عبد الله، فتجهز الأفشين بهما إلى بغداد في تمام هذه السنة ففرغت ولم يصل بهما إلى بغداد. وحج بالناس فيها الأمير المتقدم ذكره في التي قبلها.
وفيها توفي أبو اليمان الحكم بن نافع (1). وعمر بن حفص بن غياث (2). ومسلم بن إبراهيم (3). ويحيى بن صالح الوحاظي (4).
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين في يوم الخميس ثالث صفر منها دخل الأفشين وصحبته بابك على المعتصم سامرا، ومعه أيضا أخو بابك في تجمل عظيم، وقد أمر المعتصم ابنه هارون الواثق أن يتلقى الأفشين وكانت أخباره تفد إلى المعتصم في كل يوم من شدة اعتناء المعتصم بأمر بابك، وقد ركب المعتصم قبل وصول بابك بيومين على البريد حتى دخل إلى بابك وهو لا يعرفه، فنظر إليه ثم رجع، فلما كان يوم دخوله عليه تأهب المعتصم واصطف الناس سماطين وأمر بابك أن يركب على فيل ليشهر أمره ويعرفوه، وعليه قباء ديباج وقلنسوة سمور مدورة، وقد هيأوا الفيل وخضبوا أطرافه ولبسوه من الحرير والأمتعة التي تليق به شيئا كثيرا، وقد قال فيه بعضهم (5):
قد خضب الفيل كعاداته * يحمل شيطان خراسان والفيل لا تخضب أعضاؤه * إلا لذي شأن من الشأن ولما أحضر بين يدي المعتصم أمر بقطع يديه ورجليه وجز رأسه وشق بطنه، ثم أمر بحمل رأسه