الحسن بن قحطبة أحد أكابر الأمراء، وحمزة بن مالك، ولي إمرة خراسان في أيام الرشيد، وخلف بن خليفة شيخ الحسن بن عرفة عن مائة سنة.
وعبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن المروزي، كان أبوه تركيا مولى لرجل من التجار من بني حنظلة من أهل همذان، وكان ابن المبارك إذا قدمها أحسن إلى ولد مولاهم، وكانت أمه خوارزمية، ولد لثمان عشرة ومائة، وسمع إسماعيل بن خالد، والأعمش، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، وغيرهم من أئمة التابعين. وحدث عن خلائق من الناس، وكان موصوفا بالحفظ والنفقة والعربية والزهد والكرم والشجاعة والشعر، له التصانيف الحسان، والشعر الحسن المتضمن حكما جمة، وكان كثير الغزو والحج، وكان له رأس مال نحو أربعمائة ألف يدور يتجر به في البلدان، فحيث اجتمع بعالم أحسن إليه، وكان يربو كسبه في كل سنة على مائة ألف ينفقها كلها في أهل العبادة والزهد والعلم، وربما أنفق من رأس ماله. قال سفيان بن عيينة: نظرت في أمره وأمر الصحابة فما رأيتهم يفضلون عليه إلا في صحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال إسماعيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثله، وما أعلم خصلة من الخير إلا وقد جعلها الله في ابن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم. وقدم مرة الرقة وبها هارون الرشيد، فلما دخلها احتفل الناس به وازدحم الناس حوله، فأشرفت أم ولد للرشيد من قصر هناك فقالت: ما للناس؟ فقيل لها: قدم رجل من علماء خراسان يقال له عبد الله بن المبارك فانجفل الناس إليه. فقالت المرأة: هذا هو الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي (1) يجمع الناس عليه بالسوط والعصا والرغبة والرهبة.
وخرج مرة إلى الحج فاجتاز ببعض البلاد فمات طائر معهم فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت ذلك الطائر الميت ثم لفته ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت أنا وأخي هنا ليس لنا شئ إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام. وكان أبونا له مال فظلم وأخذ ماله وقتل. فأمر ابن المبارك برد الأحمال وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار. فقال: عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرو واعطها الباقي. فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع.
وكان إذا عزم على الحج يقول لأصحابه: من عزم منكم في هذا العام على الحج فليأتني بنفقته