لم تمرض الأجفان من قاتل * بلحظه إلا لان أمرضا قال: فابتدروه يقبلون رأسه. ولما مات رثاه أبو العتاهية فقال:
مات ابن نطاح أبو وائل * بكر فأمسى الشعر قد بانا وفيها توفي بهلول المجنون، كان يأوي إلى مقابر الكوفة، وكان يتكلم بكلمات حسنة، وقد وعظ الرشيد وغيره كما تقدم.
وعبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، سمع الأعمش وابن جريج وشعبة ومالكا وخلقا سواهم. وروى عنه جماعات من الأئمة، وقد استدعاه الرشيد ليوليه القضاء فقال: لا أصلح، وامتنع أشد الامتناع، وكان قد سأل قبله وكيعا فامتنع أيضا، فطلب حفص بن غياث فقبل. وأطلق لكل واحد خمسة آلاف عوضا عن كلفته التي تكلفها في السفر، فلم يقبل وكيع ولا ابن إدريس، وقبل ذلك حفص، فحلف ابن إدريس لا يكلمه أبدا. وحج الرشيد في بعض السنين فاجتاز بالكوفة ومعه القاضي أبو يوسف والأمين والمأمون، فأمر الرشيد أن يجتمع شيوخ الحديث ليسمعوا ولديه، فاجتمعوا إلا ابن إدريس هذا، وعيسى بن يونس. فركب الأمين والمأمون بعد فراغهما من سماعهما على من اجتمع من المشايخ إلى ابن إدريس فأسمعهما مائة حديث، فقال له المأمون: يا عم إن أردت أعدتها من حفظي، فأذن له فأعادها من حفظه كما سمعها، فتعجب لحفظه. ثم أمر له المأمون بعشرة آلاف فلم يقبلها، فظن أنه استقلها فأضعفها فقال: والله لو ملأت لي المسجد مالا إلى سقفه ما قبلت منه شيئا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما احتضر ابن إدريس بكت ابنته فقال: علام تبكي؟ فقد ختمت في هذا البيت أربعة آلاف ختمة.
صعصعة بن سلام ويقال ابن عبد الله أبو عبد الله الدمشقي، ثم تحول إلى الأندلس فاستوطنها في زمن عبد الملك بن معاوية وابنه هشام، وهو أول من أدخل علم الحديث ومذهب الأوزاعي إلى بلاد الأندلس، وولي الصلاة بقرطبة، وفي أيامه غرست الأشجار بالمسجد الجامع هناك كما يراه الأوزاعي والشاميون ويكرهه مالك وأصحابه. وقد روى عن مالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. وروى عنه جماعة منهم عبد الملك بن حبيب الفقيه، وذكره في كتاب الفقهاء، وذكره ابن يونس في تاريخه - تاريخ مصر - والحميدي في تاريخ الأندلس، وحرر وفاته في هذه السنة. وحكى عن شيخه ابن حزم أن صعصعة هذا أول من أدخل مذهب الأوزاعي إلى الأندلس. وقال ابن يونس: أول من أدخل علم الحديث إليها. وذكر أنه توفي قريبا من سنة ثمانين ومائة، والذي حرره الحميدي في هذه السنة أثبت.