وإنما مراده بمقامه بالرقة ردع المفسدين بها، وقد قال العباس بن الأحنف في خروجهم من بغداد مع الرشيد:
ما أنخنا حتى ارتحلنا فما * نفرق بين المناخ والارتحال ساءلونا عن حالنا إذ قدمنا * فقرنا وداعهم بالسؤال وفيها فادى الرشيد الأسارى من المسلمين الذين كانوا ببلاد الروم، حتى يقال إنه لم يترك بها أسيرا من المسلمين. فقال فيه بعض الشعراء:
وفكت بك الاسرى التي شيدت لها * محابس ما فيها حميم يزورها على حين أعيا المسلمين فكاكها * وقالوا سجون المشركين قبورها وفيها رابط القاسم بن الرشيد بمرج دابق يحاصر الروم. وفيها حج بالناس العباس بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
ذكر من توفي فيها من الأعيان علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز أبو الحسن الأسدي مولاهم، الكوفي المعروف بالكسائي لاحرامه في كساء، وقيل لاشتغاله على حمزة الزيات في كساء، كان نحويا لغويا أحد أئمة القراء، أصله من الكوفة ثم استوطن بغداد، فأدب الرشيد وولده الأمين، وقد قرأ على حمزة بن حبيب الزيات قراءته، وكان يقرئ بها، ثم اختار لنفسه قراءة وكان يقرأ بها. وقد روى عن أبي بكر بن عياش وسفيان بن عيينة وغيرهما، وعنه يحيى بن زياد الفراء وأبو عبيد. قال الشافعي: من أراد النحو فهو عيال على الكسائي. أخذ الكسائي عن الخليل صناعة النحو فسأله يوما: عن من أخذت هذا العلم؟
قال: من بوادي الحجاز. فرحل الكسائي إلى هناك فكتب عن العرب شيئا كثيرا، ثم عاد إلى الخليل فإذا هو قد مات وتصدر في موضعه يونس، فجرت بينهما مناظرات أقر له فيها يونس بالفضل، وأجلسه في موضعه.
قال الكسائي: صليت يوما بالرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت غلطة ما غلطها صبي، أردت أن أقول لعلهم يرجعون، فقلت لعلهم ترجعين، فما تجاسر الرشيد أن يردها. فما سلمت قال: أي لغة هذه؟ فقلت: إن الجواد قد يعثر. فقال: أما هذا فنعم. وقال بعضهم: لقيت الكسائي فإذا هو مهموم، فقلت: ما لك؟ فقال: إن يحيى بن خالد قد وجه إلي ليسألني عن أشياء فأخشى من الخطأ، فقلت: قل ما شئت فأنت الكسائي، فقال: قطعه الله - يعني لسانه - إن قلت ما لم أعلم. وقال الكسائي يوما قلت لنجار: بكم هذان البابان؟ فقال: بسالجيان يا مصفعان.
توفي الكسائي في هذه السنة على المشهور، عن سبعين سنة. وكان في صحبة الرشيد ببلاد الري