قالت: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال: من هذا يا أم سلمة؟
قالت: هذا الوليد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذتم الوليد خنانا (حسانا) غيروا اسمه، فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد ". وروى ابن عساكر من حديث عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا محمد بن غالب الأنطاكي، ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود، ثنا صدقة، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال هذا الامر قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية " (1).
مقتله وزوال دولته كان هذا الرجل مجاهرا بالفواحش مصرا عليها، منتهكا محارم الله عز وجل، لا يتحاشى من معصية. وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، فالله أعلم، لكن الذي يظهر أنه كان عاصيا شاعرا ماجنا متعاطيا للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي، وقد روي أن أخاه سليمان كان من جملة من سعى في قتله، قال: أشهد أنه كان شروبا للخمر ما جنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي الفاسق. وحكى المعافى بن زكريا عن ابن دريد، عن أبي حاتم، عن العتبي: أن الوليد بن يزيد نظر إلى نصرانية من حسان نساء النصارى اسمها سفري فأحبها، فبعث يراودها عن نفسها فأبت عليه، فألح عليها وعشقها فلم تطاوعه، فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلم سفري ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها: ويحك أتدرين من هذا الرجل؟ فقالت: لا! فقيل لها هو الوليد. فلما تحققت ذلك حنت عليه بعد ذلك وكانت عليه أحرص منه عليها قبل أن تحن عليه. فقال الوليد في ذلك أبياتا:
أضحك (2) فؤادك يا وليد عميدا * صبا قديما للحسان صيودا في حب واضحة العوارض طفلة * برزت لنا نحو الكنيسة عيدا ما زلت أرمقها بعيني وامق * حتى بصرت بها تقبل عودا عود الصليب فويح نفسي من رأى * منكم صليبا مثله معبودا فسألت ربي أن أكون مكانه * وأكون في لهب الجحيم وقودا وقال فيها أيضا لما ظهر أمره وعلم بحاله الناس، وقيل إن هذا وقع قبل أن يلي الخلافة:
ألا حبذا سفري وإن قيل إنني * كلفت بنصرانية تشرب الخمرا