عني. معناه: ما لكم تجمعتم علي تجمعكم على مجنون؟ انكشفوا عني. وقال غيره: كان به ضيق النفس فسقط بسببه فاعتقد الناس أنه مصروع. فجعلوا يعودونه ويقرأون عليه، فلما أفاق من غشيته قال، ما قال: فقال بعضهم: إني حسبته - يتكلم بالفارسية - وذكر ابن خلكان أنه كان صاحبا لأبي عمرو بن العلاء، وأن عيسى بن عمر قال يوما لأبي عمرو بن العلاء: أنا أفصح من معد بن عدنان.
فقال له أبو عمرو كيف تقرأ هذا البيت:
قد كن يخبأن الوجوه تسترا * فاليوم حين بدأن للنظار (1) أو بدين؟ فقال بدين. فقال أبو عمرو: أخطأت، ولو قال: بدأن لأخطأ أيضا. وإنما أراد أبو عمرو تغليطه، وإنما الصواب بدون من بدا يبدو إذا ظهر، وبدأ يبدأ إذا شرع في الشئ.
ثم دخلت سنة خمسين ومائة من الهجرة فيها خرج رجل من الكفرة يقال له أستاذسيس في بلاد خراسان فاستحوذ على أكثرها، والتف معه نحو من ثلاثمائة ألف، وقتلوا من المسلمين هنالك خلقا كثيرا، وهزموا الجيوش التي في تلك البلاد، وسبوا خلقا كثيرا، وتحكم الفساد بسببهم، وتفاقم أمرهم، فوجه المنصور خازم بن خزيمة إلى ابنه المهدي ليوليه حرب تلك البلاد، ويضم إليه من الأجناد ما يقاوم أولئك. فنهض المهدي في ذلك نهضة هاشمية، وجمع لخازم بن خزيمة الامرة على تلك البلاد والجيوش، وبعثه في نحو من أربعين ألفا، فسار إليهم وما زال يراوغهم ويماكرهم ويعمل الخديعة فيهم حتى فاجأهم بالحرب، وواجههم بالطعن والضرب، فقتل منهم نحوا من سبعين ألفا، وأسر منهم أربعة عشر ألفا، وهرب ملكهم استاذسيس فتحرز في جبل، فجاء خازم إلى تحت الجبل وقتل أولئك الاسرى كلهم ولم يزل يحاصره حتى نزل على حكم بعض الأمراء، فحكم أن يقيد بالحديد هو وأهل بيته، وأن يعتق من معه من الأجناد - وكانوا ثلاثين ألفا - ففعل خازم ذلك كله وأطلق لكل واحد ممن كان مع استاذسيس ثوبين، وكتب بما وقع من الفتح إلى المهدي، فكتب المهدي بذلك إلى أبيه المنصور. وفيها عزل الخليفة عن إمرة المدينة جعفر بن سليمان وولاها الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وفيها حج بالناس عبد الصمد بن علي عم الخليفة. وتوفي فيهما جعفر ابن أمير المؤمنين المنصور ودفن أولا بمقابر بني هاشم من بغداد، ثم نقل منها إلى موضع آخر. وفيها توفي عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أحد أئمة أهل الحجاز، ويقال إنه أول من جمع السنن. وعثمان بن الأسود، وعمر بن محمد بن زيد. وفيها توفي الإمام أبو حنيفة.