فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم: 6] قال: فسمعت صوتا واضطرابا شديدا فذهبت لحاجتي، فلما رجعت مررت بذلك الباب فإذا جنازة موضوعة، فسألت عنه فإذا ذاك الفتى قد مات من هذه الآية.
ثم دخلت سنة ثنتين وثمانين ومائة فيها أخذ الرشيد لولده عبد الله المأمون ولاية العهد من بعد أخيه محمد الأمين بن زبيدة، وذلك بالرقة بعد مرجعه من الحج، وضم ابنه المأمون إلى جعفر بن يحيى البرمكي وبعثه إلى بغداد ومعه جماعة من أهل الرشيد خدمة له، وولاه خراسان وما يتصل بها، وسماه المأمون. وفيها رجع يحيى بن خالد البرمكي من مجاورته بمكة إلى بغداد. وفيها غزا الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح فبلغ مدينة أصحاب الكهف (1). وفيها سملت الروم عيني ملكهم قسطنطين بن إليون وملكوا عليهم أمه ريني وتلقب أغسطه. وحج بالناس موسى بن عيسى بن العباس.
وفيها توفي من الأعيان إسماعيل بن عياش الحمصي أحد المشاهير من أئمة الشاميين، وفيه كلام. ومروان بن أبي حفصة الشاعر المشهور المشكور. كان يمدح الخلفاء والبرامكة.
ومعن بن زائدة حصل من الأموال شيئا كثيرا جدا، وكان مع ذلك من أبخل الناس، لا يكاد يأكل اللحم من بخله، ولا يشعل في بيته سراجا، ولا يلبس من الثياب إلا الكرباسي والفرو الغليظ، وكان رفيقه سلم الخاسر إذا ركب إلى دار الخلافة يأتي على برذون وعليه حلة تساوي ألف دينار، والطيب ينفح من ثيابه، ويأتي هو في شر حالة وأسوئها. وخرج يوما إلى المهدي فقالت امرأة من أهله: إن أطلق لك الخليفة شيئا فاجعل لي منه شيئا. فقال: إن أعطاني مائة ألف درهم فلك درهم. فأعطاه ستين ألفا فأعطاها أربعة دوانيق. توفي ببغداد في هذه السنة، ودفن في مقبرة نصر بن مالك.
والقاضي أبو يوسف واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة (2)، وهي أمه، وأبوه (3) بجير بن