ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة فيها بعث المنصور حميد بن قحطبة لغزو الترك الذين عاثوا في السنة الماضية ببلاد تفليس، فلم يجد منهم أحدا فإنهم انشمروا إلى بلادهم. وحج بالناس فيها جعفر بن أبي جعفر (1)، ونواب البلاد فيها هم المذكورون في التي قبلها. وفيها توفي جعفر بن محمد الصادق المنسوب إليه كتاب اختلاج الأعضاء وهو مكذوب عليه. وفيها توفي سليمان بن مهران الأعمش أحد مشايخ الحديث في ربيع الأول منها، وعمرو بن الحارث، والعوام بن حوشب، والزبيدي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ومحمد بن عجلان.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائة فيها فرغ من بناء سور بغداد وخندقها. وفيها غزا الصائفة العباس بن محمد فدخل بلاد الروم ومعه الحسن (2) بن قحطبة ومحمد بن الأشعث. ومات محمد بن الأشعث في الطريق. وفيها حج بالناس محمد بن إبراهيم بن [محمد بن] علي وولاه المنصور على مكة والحجاز عوضا عن عمه عبد الصمد بن علي. وعمال الأمصار فيها هم الذين كانوا في السنة قبلها. وفيها توفي زكريا بن أبي زائدة، وكهمس بن الحسن، والمثنى بن الصباح. وعيسى بن عمرو أبو عمرو الثقفي البصري النحوي شيخ سيبويه. يقال إنه من موالي خالد بن الوليد، وإنما نزل في ثقيف فنسب إليهم. كان إماما كبيرا جليلا في اللغة والنحو والقراءات، أخذ ذلك عن عبيد الله بن كثير وابن المحيص وعبد الله بن أبي إسحاق، وسمع الحسن البصري وغيرهم. وعنه الخليل بن أحمد والأصمعي وسيبويه. ولزمه وعرف به وانتفع به، وأخذ كتابه الذي سماه بالجامع فزاد عليه وبسطه، فهو كتاب سيبويه اليوم، وإنما هو كتاب شيخه، وكان سيبويه يسأل شيخه الخليل بن أحمد عما أشكل عليه فيه، فسأله الخليل أيضا عما صنف عيسى بن عمر فقال: جمع بضعا وسبعين كتابا ذهبت كلها إلا كتاب الاكمال، وهو بأرض فارس.
وهو الذي أشتغل فيه وأسألك عن غوامضه، فأطرق الخليل ساعة ثم أنشد:
ذهب النحو جميعا كله * غير ما أحدث عيسى بن عمر ذاك إكمال وهذا جامع * وهما للناس شمس وقمر وقد كان عيسى يغرب ويتقعر في عبارته جدا. وقد حكى الجوهري عنه في الصحاح: أنه سقط يوما عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال: ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي مرة (3)؟ افرنقعوا