بناء الرافقة وهي المدينة المشهورة وفيها أمر المنصور ببناء الرافقة على منوال بناء بغداد في هذه السنة، وأمر فيها ببناء سور وعمل خندق حول الكوفة، وأخذ ما غرم على ذلك من أموال أهلها، من كل إنسان من أهل اليسار أربعين درهما. وقد فرضها أولا خمسة دراهم، خمسة دراهم، ثم جباها أربعين أربعين، فقال في ذلك بعضهم:
يا لقومي ما رأينا * من (1) أمير المؤمنينا قسم الخمسة فينا * وجبانا أربعينا وفيها غزا الصائفة يزيد بن أسيد السلمي. وفيها طلب ملك الروم الصلح من المنصور على أن يحمل إليه الجزية. وفيها عزل المنصور أخاه العباس بن محمد عن الجزيرة وغرمه أموالا كثيرة. وفيها عزل محمد بن سليمان بن علي عن إمرة الكوفة، فقيل لأمور بلغته عنه في تعاطي منكرات، وأمور لا تليق بالعمال، وقيل لقتله محمد (2) بن أبي العوجاء - وقد كان ابن أبي العوجاء هذا زنديقا - يقال إنه لما أمر بضرب عنقه اعترف على نفسه بوضع أربعة آلاف حديث يحل فيها الحرام ويحرم فيها الحلال، ويصوم الناس يوم الفطر ويفطرهم في أيام الصيام، فأراد المنصور أن يجعل قتله له ذنبا فعزله به، وإنما أراد أن يقيده منه، فقال له عيسى بن موسى: يا أمير المؤمنين له تعزله بهذا ولا تقتله به، فإنه إنما قتله على الزندقة، ومتى عزلته به شكره العامة وذموك، فتركه حينا ثم عزله وولى مكانه على الكوفة عمرو ابن زهير. وفيها عزل عن المدينة الحسن بن زيد وولى عليها عمه عبد الصمد بن علي، وجعل معه فليح ابن سليمان مشرفا عليه. وعلى إمرة مكة محمد بن إبراهيم بن محمد، وعلى البصرة الهيثم بن معاوية، وعلى مصر محمد بن سعيد، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم. وفيها توفي صفوان بن عمرو وعثمان بن أبي العاتكة الدمشقيان، وعثمان بن عطاء، ومسعر بن كدام.
حماد الراوية وهو ابن أبي ليلى ميسرة - ويقال سابور - بن المبارك بن عبيد الديلمي الكوفي، مولى بكير (3) بن زيد الخيل الطائي، كان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها ولغاتها، وهو الذي جمع السبع المعلقات الطوال، وإنما سمي الراوية لكثرة روايته الشعر عن العرب، اختبره الوليد بن يزيد بن