ثم دخلت سنة ثمانين ومائة فيها هاجت الفتنة بالشام بين النزارية واليمنية، فانزعج الرشيد لذلك فندب جعفر البرمكي إلى الشام في جماعة من الأمراء والجنود، فدخل الشام فانقاد الناس له ولم يدع جعفر بالشام فرسا ولا سيفا ولا رمحا إلا استلبه من الناس، وأطفأ الله به نار تلك الفتنة. وفي ذلك يقول بعض الشعراء (1):
لقد أوقدت بالشام نيران فتنة * فهذا أوان الشام تخمد نارها إذا جاش موج البحر من آل برمك * عليها خبت شهبانها وشرارها رماها أمير المؤمنين بجعفر * وفيه تلافى صدعها وانكسارها (2) رماها بميمون النقيبة ماجد * تراضى به قحطانها ونزارها ثم كر جعفر راجعا إلى بغداد بعد ما استخلف على الشام عيسى العكي، ولما قدم على الرشيد أكرمه وقربه وأدناه، وشرع جعفر يذكر كثرة وحشته له في الشام، ويحمد الله الذي من عليه برجوعه إلى أمير المؤمنين ورؤيته وجهه. وفيها ولى الرشيد جعفرا خراسان وسجستان فاستعمل على ذلك محمد بن الحسن بن قحطبة، ثم عزل الرشيد جعفرا عن خراسان بعد عشرين ليلة. وفيها هدم الرشيد سور الموصل بسبب كثرة الخوارج، وجعل الرشيد جعفرا على الحرس، ونزل الرشيد الرقة واستوطنها واستناب على بغداد ابنه الأمين محمدا وولاه العراقين، وعزل هرثمة عن إفريقية واستدعاه إلى بغداد فاستنابه جعفر على الحرس. وفيها كانت بمصر زلزلة شديدة سقط منها رأس منارة الإسكندرية. وفيها خرج بالجزيرة خراشة الشيباني فقتله مسلم بن بكار بن مسلم العقيلي. وفيها ظهرت طائفة بجرجان يقال لها المحمرة لبسوا الحمرة واتبعوا رجلا يقال له عمرو بن محمد العمركي، وكان ينسب إلى الزندقة، فبعث الرشيد يأمر بقتله فقتل وأطفأ الله نارهم في ذلك الوقت. وفيها غزا الصائفة زفر بن عاصم (3). وحج بالناس موسى (4) بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. وفيها كانت وفاة جماعة من الأعيان:
إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري قارئ أهل المدينة ومؤدب علي بن المهدي ببغداد. وقد مات علي بن المهدي في هذه السنة أيضا. وقد ولي إمارة الحج غير مرة، وكان أسن من الرشيد بشهور.