بذلك لخوفهم على أنفسهم من البرد، حتى يخرج فصل الشتاء. وحج بالناس فيها عبد الله (1) بن عباس بن محمد بن علي.
ذكر من توفي فيها من الأعيان جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك أبو الفضل البرمكي الوزير ابن الوزير، ولاه الرشيد الشام وغيرها من البلاد، وبعثه إلى دمشق لما ثارت الفتنة العشيران بحوران بين قيس ويمن، وكان ذلك أول نار ظهرت بين قيس ويمن في بلاد الاسلام، كان خامدا من زمن الجاهلية فأثاروه في هذا الأوان، فلما قدم جعفر بجيشه خمدت الشرور وظهر السرور، وقيلت في ذلك أشعار حسان، قد ذكر ذلك ابن عساكر في ترجمة جعفر من تاريخه منها: - لقد أوقدت في الشام نيران فتنة * فهذا أوان الشام تخمد نارها إذا جاش موج البحر من آل برمك * عليها خبت شهبانها وشرارها رماها أمير المؤمنين بجعفر * وفيه تلاقى صدعها وانجبارها هو الملك المأمول للبر والتقى * وصولاته لا يستطاع خطارها وهي قصيدة طويلة (2)، وكانت له فصاحة وبلاغة وذكاء وكرم زائد، كان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف فتفقه عليه، وصار له اختصاص بالرشيد، وقد وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، ولم يخرج في شئ منها عن موجب الفقه. وقد روى الحديث عن أبيه، عن عبد الحميد الكاتب، عن عبد الملك بن مروان كاتب عثمان، عن زيد بن ثابت كاتب الوحي. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه ". رواه الخطيب وابن عساكر من طريق أبي القاسم الكعبي المتكلم، واسمه عبد الله بن أحمد البلخي - وقد كان كاتبا لأحمد بن زيد - عن أبيه عن عبد الله بن طاهر عن طاهر بن الحسين بن زريق، عن الفضل بن سهل ذي الرياستين عن جعفر بن يحيى به. وقال عمرو بن بحر الجاحظ قال جعفر للرشيد: يا أمير المؤمنين! قال لي أبي يحيى: إذا أقبلت الدنيا عليك فاعط، وإذا أدبرت فاعط، فإنها لا تبقى، وأنشدني أبي:
لا بتخلن بدنيا وهي مقبلة * فليس ينقصها التبذير والسرف فان تولت فأحرى أن تجود بها * فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف قال الخطيب: ولقد كان جعفر من علو القدر ونفاذ الامر وعظم المحل وجلالة المنزلة عند