ورأى كثرة البراغيث بها، ودخل عليه فصل الشتاء فرأى من كثرة الأمطار والثلوج أمرا عجيبا، وغلت الأسعار وهو بها لكثرة الخلق الذين معه، وانقطعت الأجلاب بسبب كثرة الأمطار والثلوج، فضجر منها ثم جهز بغا إلى بلاد الروم، ثم رجع من آخر السنة إلى سامرا بعد ما أقام بدمشق شهرين وعشرة أيام، ففرح به أهل بغداد فرحا شديدا. وفيها أتى المتوكل بالحربة التي كانت تحمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرح بها فرحا شديدا، وقد كانت تحمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد وغيره (1)، وقد كانت للنجاشي فوهبها للزبير بن العوام، فوهبها الزبير للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن المتوكل أمر صاحب الشرطة أن يحملها بين يديه كما كانت تحمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها غضب المتوكل على الطبيب بختيشوع ونفاه وأخذ ماله (2). وحج بالناس فيها عبد الصمد المتقدم ذكره قبلها. واتفق في هذه السنة يوم عيد الأضحى وخميس فطر اليهود وشعانين النصارى وهذا عجيب غريب.
وفيها توفي أحمد بن منيع (3). وإسحاق بن موسى الخطمي (4). وحميد بن مسعدة (5). وعبد الحميد بن بيان (6). وعلي بن حجر (7). والوزير محمد بن عبد الملك الزيات. ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق.
ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين فيها أمر المتوكل ببناء مدينة الماحوزة وحفر نهرها، فيقال إنه أنفق على بنائها وبناء قصر الخلافة بها الذي يقال له " اللؤلؤة " ألفي ألف دينار. وفيها وقعت زلازل كثيرة في بلاد شتى، فمن ذلك بمدينة إنطاكية سقط فيها ألف وخمسمائة دار، وانهدم من سورها نيف وتسعون برجا، وسمعت من كوى دورها أصوات مزعجة جدا فخرجوا من منازلهم سراعا يهرعون، وسقط الجبل الذي إلى جانبها الذي يقال له الأقرع فساخ في البحر، فهاج البحر عند ذلك وارتفع دخان أسود مظلم منتن، وغار نهر على فرسخ منها فلا يدرى أين ذهب. ذكر أبو جعفر بن جرير قال: وسمع فيها أهل تنيس ضجة دائمة