وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي كانت غلته في السنة قريبا من خمسين ألفا ينفقها كلها على أهل الحديث. توفي عن أربع وثمانين سنة.
وأبو النصر الجهني المصاب كان مقيما بالمدينة النبوية بالصفة من المسجد في الحائط الشمالي منه، وكان طويل السكوت، فإذا سئل أجاب بجواب حسن، ويتكلم بكلمات مفيدة تؤثر عنه وتكتب، وكان يخرج يوم الجمعة قبل الصلاة فيقف على مجامع الناس فيقول: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) [لقمان: 33] و (يوم لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) [البقرة: 48] ثم ينتقل إلى جماعة أخرى ثم إلى أخرى، حتى يدخل المسجد فيصلي فيه الجمعة ثم لا يخرج منه حتى يصلى العشاء الآخرة.
وقد وعظ مرة هارون الرشيد بكلام حسن فقال: اعلم أن الله سائلك عن أمة نبيه فأعد لذلك جوابا، وقد قال عمر بن الخطاب لو ماتت سخلة بالعراق ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنها. فقال الرشيد: إني لست كعمر، وإن دهري ليس كدهره. فقال: ما هذا بمغن عنك شيئا. فأمر له بثلاثمائة دينار، فقال: أنا رجل من أهل الصفة فمر بها فلتقسم عليهم وأنا واحد منهم.
ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائة فيها في صفر منها أمر الأمين الناس أن لا يتعاملوا بالدراهم والدنانير التي عليها اسم أخيه المأمون ونهى أن يدعى له على المنابر، وأن يدعى له ولولده من بعده: وفيها تسمى المأمون بإمام المؤمنين. وفي ربيع الآخر فيها عقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان الامارة على الجبل وهمذان وأصبهان وقم وتلك البلاد، وأمره بحرب المأمون وجهز معه جيشا كثيرا، وأنفق فيهم نفقات عظيمة، وأعطاه مائتي ألف دينار، ولولده خمسين ألف دينار وألفي سيف محلى، وستة آلاف ثوب للخلع. فخرج علي بن موسى بن ماهان من بغداد في أربعين ألف مقاتل فارس، ومعه قيد من فضة ليأتي فيه بالمأمون. وخرج الأمين معه مشيعا فسار حتى وصل الري فتلقاه الأمير طاهر في أربعة آلاف، فجرت بينهم أمور آل الحال فيها أن اقتتلوا، فقتل علي بن عيسى وانهزم أصحابه وحمل رأسه وجثته إلى الأمير طاهر فكتب بذلك إلى وزير المأمون ذي الرياستين، وكان الذي قتل علي بن عيسى رجل يقال له طاهر الصغير فسمي ذا اليمينين، لأنه أخذ السيف بيديه الثنتيين فذبح به علي بن عيسى بن ماهان، ففرح بذلك المأمون وذووه، وانتهى الخبر إلى الأمين وهو يصيد السمك من دجلة، فقال: ويحك دعني من هذا فإن كوثرا قد صاد