إلى بابها والامراء إلى جنابها، فحلف الهادي لئن عاد أمير إلى بابها ليضربن عنقه ولا يقبل منه شفاعة، فامتنعت من الكلام في ذلك، وحلفت لا تكلمه أبدا، وانتقلت عنه إلى منزل آخر. وألح هو على أخيه هارون في الخلع وبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك - وكان من أكابر الأمراء الذين هم في صف الرشيد - فقال له: ماذا ترى فيما أريد من خلع هارون وتولية ابني جعفر؟ فقال له خالد: إني أخشى أن تهون الايمان على الناس، ولكن المصلحة تقتضي أن تجعل جعفرا ولي العهد من بعد هارون، وأيضا فإني أخشى أن لا يجيب أكثر الناس إلى البيعة لجعفر، لأنه دون البلوغ، فيتفاقم الامر ويختلف الناس.
فأطرق مليا - وكان ذلك ليلا - ثم أمر بسجنه ثم أطلقه. وجاء يوما إليه أخوه هارون الرشيد فجلس عن يمينه بعيدا، فجعل الهادي ينظر إليه مليا ثم قال: يا هارون! تطمع أن تكون وليا للعهد حقا؟
فقال: إي والله، ولئن كان ذلك لأصلن من قطعت، ولأنصفن من ظلمت، ولأزوجن بنيك من بناتي. فقال ذاك الظن بك. فقام إليه هارون ليقبل يده فحلف الهادي ليجلس معه على السرير فجلس معه، ثم أمر له بألف ألف دينار، وأن يدخل الخزائن فيأخذ منها ما أراد، وإذا جاء الخراج دفع إليه نصفه. ففعل ذلك كله ورضي الهادي عن الرشيد. ثم سافر الهادي إلى حديثة الموصل بعد الصلح، ثم عاد منها فمات بعيساباذ ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول (1)، وقيل لآخر سنة سبعين ومائة، وله من العمر ثلاث وعشرون سنة (2)، وكانت خلافته ستة أشهر (3) وثلاثة وعشرون يوما. وكان طويلا جميلا، أبيض، بشفته العليا تقلص.
وقد توفي هذه الليلة خليفة وهو الهادي، وولي خليفة وهو الرشيد، وولد خليفة وهو المأمون بن الرشيد. وقد قالت الخيزران أمهما في أول الليل: إنه بلغني أن يولد خليفة ويموت خليفة ويولى خليفة.
يقال إنها سمعت ذلك من الأوزاعي قبل ذلك بمدة، وقد سرها ذلك جدا. ويقال: إنها سمت ولدها الهادي خوفا منه على ابنها الرشيد، ولأنه كان قد أبعدها وأقصاها وقرب حظيته خالصة وأدناها فالله أعلم.
وهذا ذكر شئ من ترجمة الهادي هو موسى بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبو محمد