الخامس: أنه تعالى قد كلف بالايمان من علم أنه لا يؤمن، كأبي جهل وغيره، وذلك مما يستحيل معه الايمان، وإلا كان علمه جهلا. والتكليف بما لا يمكن وقوعه على وجه يعاقب المكلف على عدم فعله، مجرد عن الغرض والحكمة.
السادس: أن حكم الله هو كلامه وخطابه. وكلامه وخطابه قديم، والمقصود لا جائز أن يكون قديما، وإلا لزم منه موجود قديم غير الباري تعالى وصفاته، وهو محال. وإن كان حادثا، فيلزم منه تعليل القديم بالحادث، وهو ممتنع.
السابع: أن خلق الباري تعالى للعالم في وقته المعلوم المحدود، مع جواز خلقه قبله أو بعده، وتقديره بشكله المقدر، مع جواز أن يكون أصغر أو أكبر، مما لا يوقف منه على غرض ومقصود.
الثامن: أنه لو كان له في فعله غرض ومقصود، لم يخل إما أن يكون فعله لذلك الغرض أولى من تركه، أو لا يكون أولى:
فإن كان الأول، فيلزمه منه أن يكون الرب تعالى مستكملا بذلك الصنع، وناقصا قبله، وهو محال، وإن لم يكن فعله أولى من الترك، امتنع الفعل لعدم الأولوية.
التاسع: أن الحكم والمقاصد خفية، وفي ربط الأحكام الشرعية بها ما يوجب الحرج في حق المكلف باطلاعه عليها بالبحث عنها. والحرج منفي بقوله تعالى:
* (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *.
العاشر: أن وجود الحكمة مما يجب تأخره عن وجود شرع الحكم، وما يكون متأخرا في الوجود يمتنع أن يكون علة لما هو متقدم عليه.
الحادي عشر: أنه لو كان شرع الاحكام للحكم، لكانت مفيدة لها قطعا، وذلك لان الله تعالى قادر على تحصيل تلك الحكمة قطعا. فلو فعل ما فعله قصدا لتحصيل تلك الحكمة، لكان الظاهر منه أنه فعله على وجه تحصل الحكمة به قطعا، وأكثر الاحكام من الزواجر وغيرها غير مفيدة لما ظن أنها حكم لها قطعا.
الثاني عشر: أنه لا يخلو إما أن يكون الرب تعالى قادرا على تحصيل تلك الحكمة الحاصلة من شرع الحكم دون شرع الحكم أو لا يكون قادرا عليه:
لا جائز أن لا يكون قادرا إذ هو صفة نقص، والنقص على الله محال، وإن كان قادرا على ذلك، فشرع الحكم وتوسطه في البين لا يكون مفيدا، بل هو محض عناء وتعب.