فيما اختلفوا فيه، أو لا مع وجود دليل قاطع، لا جائز ان يقال بالأول وإلا كان المخالف فاسقا والموافق بالسكوت عن الانكار فاسقا، ويلزم من ذلك تعميم الفسق بجميع الصحابة، وهو ممتنع لما سبق من الدلالة على عصمتهم فلم يبق سوى الثاني وهو المطلوب فإن قيل: لا نسلم استلزام شرع الاحكام للحكم والمقاصد، وذلك لان شرع الاحكام من صنع الله تعالى (1) وصنعه إما أن يستلزم الحكمة والمقصود، أو لا يستلزم، والأول ممتنع لسبعة عشر وجها:
الأول: أن القائل قائلان: قائل يقول بأن أفعال العبيد مخلوقة لله تعالى، وقائل إنها مخلوقة للعبيد فمن قال إنها مخلوقة لله تعالى فيلزمه من ذلك أن يكون خالقا للكفر والمعاصي وأنواع الشرور، مع أنه لا حكمة ولا مقصود في خلق هذه الأشياء، ومن قال إنها مخلوقة للعبيد فإنما كانت مخلوقة لهم بواسطة خلق الله تعالى القدرة لهم على ذلك، فخلقه للقدرة الموجبة لهذه الأمور لا يكون أيضا لحكمة.
الثاني: أنه لو استلزم فعله للحكمة، ما أمات الأنبياء، وأنظر إبليس، وما أوجب تخليد أهل النار في النار، لعدم الحكمة في ذلك.
الثالث: أنه لو كان لحكمة ومقصود، فعند تحقق الحكمة، لا يخلو إما أن يجب الفعل، بحيث لا يمكن عدمه، أو لا يجب: فإن كان الأول، فيلزم منه أن يصير الباري تعالى مضطرا غير مختار، وإن لم يجب الفعل فقد أمكن وجوده تارة وعدمه تارة وعند ذلك إما أن يترجح أحد الممكنين على الآخر لمقصود، أو لا لمقصود فإن كان الأول، فالكلام فيه كالكلام في الأول، وهو تسلسل ممتنع.
وإن كان الثاني، فهو المطلوب.
الرابع: أنه لو كان صنع الرب تعالى يستلزم الغرض والمقصود، فذلك المقصود إما أن يكون حادثا أو قديما: فإن كان قديما، فيلزم منه قدم الصنع والمصنوع، وهو محال.
وإن كان حادثا، فإما أن يتوقف حدوثه على مقصود آخر، أو لا يتوقف، فالأول يلزم منه التسلسل، والثاني هو المطلوب.