أما الحجة الأولى فلقائل أن يقول: إن أردت أن مناسبة الوصف تنبني على أنه لا بد في المناسبة من المصلحة على وجه لا يستقل بالمناسبة، فمسلم. ولكن، لا يلزم من وجود بعض ما لا بد منه في المناسبة، تحقق المناسبة. وإن أردت أنها مستقلة بتحقيق المناسبة، فممنوع. وذلك، لان المصلحة وإن كانت متحققة في نفسها فالمناسبة أمر عرفي، وأهل العرف لا يعدون المصلحة العارضة بالمفسدة المساوية أو الراجحة مناسبة. ولهذا، إن من حصل مصلحة درهم على وجه يفوت عليه عشرة، يعد سفيها خارجا في تصرفه عن تصرفات العقلاء. ولو كان ذلك مناسبا، لما كان كذلك، وعلى هذا، فلا يلزم من اجتماع المصلحة والمفسدة تحقق المناسبة.
وقوله: غير أنه يمنعني منه مانع. وإن كان صحيحا في العرف، فليس ذلك إلا لا خلال المانع المفسدي بمناسبة المصلحة، لا بمعنى أن الانتفاء محال على المفسدة (1) مع وجود المناسب للحكم.
وعلى هذا، نقول بأن مناسبة كل واحدة من المصلحة والمفسدة تختل بتقدير التساوي وبتقدير مرجوحية إحداهما فالمختل مناسبتها دون مناسبة الراجحة ضرورة فوات شرط المناسبة، لا لان كل واحدة علة للاخلال بمناسبة الأخرى أو إحداهما، ليلزم في ذلك ما قيل.
وأما الحجة الثانية: فلقائل أن يقول أيضا: مهما لم يترجح في نظر الملك وأهل العرف مصلحة ما عينه من أحد الطريقين من الاحسان أو الإساءة بمقتضى الحالة الراهنة، فإن فعله لا يكون مناسبا، ويكون بتصرفه خارجا عن تصرفات العقلاء.
وأما الحجة الثالثة فلقائل أن يقول: لا نسلم جواز الجزم بمناسبة ما عين دون ظهور الترجيح في نظر الناظر، وبعد ظهور الترجيح، فليس الجزم بمناسبة الوصف في نفس الامر قطعا، لجواز أن يكون في نفسه مرجوحا، وإن لم يطلع عليه.