الأول، وهو تسلسل ممتنع. وإذا كانت المصلحة لا تختل بمعارضة المفسدة، فالعقل يقضي بمناسبتها للحكم، وبالنظر إلى المعارض يقضي بانتفاء الحكم لأجل المعارض. ولهذا، يحسن من العاقل أن يقول الداعي إلى إثبات الحكم موجود غير أنه يمنعني منه مانع، ولو اختلت مناسبة الوصف، لما حسن من العاقل هذه المقالة.
الوجه الثاني: أنه قد يتعارض في نظر الملك عند الظفر بجاسوس عدوه المنازع له في ملكه، قتله وعقوبته، زجرا له ولأمثاله عن الحبس (1) المضر به والاحسان إليه وإكرامه إما للاستهانة بعدوه، أو لقصد كشف أسراره. وأي الامرين سلك فإنه لا يعد خارجا عن مذاق الحكمة، ومقتضى المناسبة، وإن لزم منه فوات المقصود الحاصل من سلوك مقابله، وسواء تساويا، أو كان أحدهما راجحا.
الثالث: أنه إذا اجتمع الأخ من الأبوين مع الأخ من الأب في الميراث، فإنه قد يتعارض في نظر الناظر تقديم الأخ من الأبوين لاختصاصه بقرابة الأمومة، والتسوية بينهما لاشتراكهما في جهة العصوبة، وإلغاء قرابة الأمومة، وتفضيل الأخ من الأبوين لاختصاصه بمزيد القرابة. ومع ذلك، فالعقل يقضي بتأدي النظر (2) من غير احتياج إلى ترجيح بأن ورود الشرع بالاحتمال الأول مناسب غير خارج عن مذاق العقول، ولو كان ترجيح الوصف المصلحي معتبرا في مناسبته لما كان كذلك.
الرابع: أن الشارع قد ورد بصحة الصلاة في الدار المغصوبة نظرا إلى ما فيها من المصلحة، وبتحريمها نظرا إلى ما فيها من مفسدة الغصب. فلو اشترط الترجيح في المناسبة، لما ثبت الصحة، ولا التحريم، بتقدير التساوي بين مصلحة الصحة ومفسدة التحريم، ولا حكم الصحة بتقدير رجحان مفسدة الغصب، ولا التحريم بتقدير رجحان مصلحة الصحة لعدم المناسبة.
وهذه الحجج ضعيفة: