ومنهم من فسره بما يوهم المناسبة من غير اطلاع عليها، وذلك أن الوصف المعلل به لا يخلو إما أن تظهر فيه المناسبة، أو لا تظهر فيه المناسبة (1)، بوقوف من هو أهل معرفة المناسبة عليها، وذلك بأن يكون ترتيب الحكم على وفقه مما يفضي إلى تحصيل مقصود من المقاصد المبينة من قبل، فهو المناسب.
وإن لم تظهر فيه المناسبة بعد البحث التام ممن هو أهله، فإما أن يكون مع ذلك مما لم يؤلف من الشارع الالتفات إليه في شئ من الاحكام، أو هو مما ألف من الشارع الالتفات إليه في بعض الأحكام.
فإن كان من الأول فهو الطردي الذي لا التفات إليه. ومثاله ما لو قال الشافعي مثلا في إزالة النجاسة بمائع لا تبنى القنطرة على جنسه فلا تجوز إزالة النجاسة به كالدهن، وكما لو علل في مسألة من المسائل بالطول والقصر والسواد والبياض ونحوهما وإن كان الثاني فهو الشبهي وذلك لأنه بالنظر إلى عدم الوقوف على المناسبة فيه بعد البحث، يجزم المجتهد بانتفاء مناسبته، وبالنظر إلى اعتباره في بعض الأحكام يوجب إيقاف المجتهد عن الجزم بانتفاء المناسبة فيه، فهو مشابه للمناسب في أنه غير مجزوم بنفي المناسبة عنه، ومشابه للطردي في أنه غير مجزوم بظهور المناسبة فيه.
فهو دون المناسب وفوق الطردي. ولعل المستند في تسميته شبهيا إنما هو هذا المعنى ومثاله قول الشافعي في مسألة إزالة النجاسة، طهارة تراد لأجل الصلاة، فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث، فإن الجامع هو الطهارة، ومناسبتها لتعيين الماء فيها بعد البحث التام غير ظاهرة. وبالنظر إلى كون الشارع اعتبرها في بعض الأحكام كمس المصحف والصلاة والطواف، يوهم اشتمالها على المناسبة كما تقرر.
واعلم أن إطلاق اسم الشبه، وإن كان حاصله في هذه الصورة راجعا إلى الاصطلاحات اللفظية، غير أن أقربها إلى قواعد الأصول، الاصطلاح الأخير، وهو الذي ذهب إليه أكثر المحققين، ويليه في القرب مذهب القاضي أبي بكر.