فمذهب الكل أنه لا إجمال فيه، خلافا للقاضي أبي بكر وأبي عبد الله البصري، فإنهما قالا بإجماله، لان حرف النفي دخل على هذه المسميات مع تحققها، فلا بد من إضمار حكم يلحق، وتمام تقريره كما مر في المسألة المتقدمة.
والمختار: أنه لا إجمال في هذه الصور، لأنه لا يخلو إما أن يقال بأن الشارع له في هذه الأسماء عرف، أو لا عرف له فيها، بل هي منزلة على الوضع اللغوي.
فإن قيل بالأول، فيجب تنزيل كلام الشارع على عرفه، إذ الغالب منه أنه إنما يناطقنا فيما له فيه عرف بعرفه، فيكون لفظه منزلا على نفي الحقيقة الشرعية من هذه الأمور، ونفي الحقيقة الشرعية ممكن.
والأصل حمل الكلام على ما هو حقيقة فيه. وعلى هذا، فلا إجمال، وإن كان مسمى هذه الأمور بالوضع اللغوي غير منفي.
وإن قيل بالثاني، فالاجمال أيضا إنما يتحقق إن لو لم يكن اللفظ ظاهرا بعرف استعمال أهل اللغة قبل ورود الشرع في مثل هذه الألفاظ في نفي الفائدة والجدوى وليس كذلك.
وبيانه أن المتبادر إلى الفهم من نفي كل فعل كان متحقق الوجود إنما هو نفي فائدته وجدواه.
ومنه قولهم لاعلم إلا ما نفع، ولا كلام إلا ما أفاد، ولا حكم إلا لله، ولا طاعة إلا له، ولا بلد إلا بسلطان إلى غير ذلك. وإذا كان النفي محمولا على نفي الفائدة والجدوى، فلا إجمال فيه. وإن سلمنا أنه لا عرف للشارع، ولا لأهل اللغة في ذلك، وأنه لا بد من الاضمار غير أن الاتفاق واقع على أنه لا خروج للمضمر ها هنا عن الصحة. والكمال وعند ذلك، فيجب اعتقاد ظهوره في نفي الصحة والكمال لوجهين: الأول: أنه أقرب إلى موافقة دلالة اللفظ على النفي، لأنه إذا قال: لا صلاة، لا صوم إلا بكذا فقد دل على نفي أصل الفعل بدلالة المطابقة، وعلى صفاته بدلالة الالتزام، فإذا تعذر العمل بدلالة المطابقة، تعين العمل بدلالة الالتزام تقليلا لمخالفة الدليل.