ووجوب التربص حولا كاملا لم يزل بالكلية لبقائه عندما إذا كانت مدة حملها سنة فكان ذلك أيضا من باب التخصيص، لا من باب النسخ.
سلمنا الجواز العقلي، ولكن لا نسلم الجواز الشرعي، وبيانه من وجهين:
الأول: قوله تعالى في صفة القرآن * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) * (41) فصلت: 42) فلو نسخ لكان قد أتاه الباطل، وهذه حجة من منع جواز نسخ القرآن مطلقا.
الثاني: أن موسى الكليم كان نبيا حقا بالاجماع منا ومنكم وبالدلائل الدالة على صدقه في رسالته، وقد نقل عنه نقلا متواترا أنه قال هذه الشريعة مؤبدة عليكم ما دامت السماوات والأرض وروي عنه أنه قال الزموا يوم السبت أبدا فقد كذب بذلك من ادعى نسخ شريعته، فلو قيل بجواز نسخ شريعته لزم منه أن يكون كاذبا، وهو محال.
والجواب عن الاشكال الأول: أن النسخ لم يكن لحكمة ظهرت له بعد أن لم تكن ظاهرة بل إن قلنا برعاية الحكمة لحكمة، كان عالما بها على ما سبق في الفرق بين النسخ والبداء.
وعن الاشكال الثاني: أن اعتقاد التوحيد وكل ما مستند معرفته دليل العقل لا يخلو إما أن يقال بأن وجوبه (1) ثابت بالعقل، كما قاله المعتزلة، أو بالشرع كما نقوله نحن:
فإن كان الأول، فلا يخفى إحالة نسخ ما ثبت وجوبه عقلا، لان الشارع لا يأتي بما يخالف العقل.
وإن كان الثاني، فالعقل يجوز أن لا يرد الشرع بوجوبه ابتداء، فضلا عن نسخه بعد وجوبه.
وعن الثالث: قولهم إن الخطاب إن كان موقتا، فلا يكون قابلا للنسخ، لا نسلم ذلك، فإنه لو قال في رمضان حجوا في هذه السنة، ثم قال قبل يوم عرفة لا تحجوا، فإنه يكون جائزا عندنا، على ما يأتي في جواز نسخ الامر قبل التمكن من الامتثال.
قولهم: وإن كان دالا على التأبيد فهو محال، لا نسلم ذلك.