الثالث: هو أن تحديد النسخ بارتفاع الحكم الثاني تحديد له، بما ليس بمتصور، لوجوه يأتي ذكرها في مسألة إثبات النسخ.
الرابع: أن فيه زيادة لا حاجة إليها، وهي قوله (متراخ عنه) وقوله (على وجه لولاه لكان مستمرا ثابتا) فإن ذكر التراخي إنما وقع احترازا عن الخطاب المتصل كالاستثناء والتقييد بالشرط والغاية، وفي الحد ما يدرأ النقض بذلك، وهو ارتفاع الحكم، والخطاب المتصل بالخطاب الأول في هذه الصور، ليس رافعا لحكم الخطاب المتقدم في الذكر، بل هو مبين أن الخطاب المتقدم لم يرد الحكم فيما استثنى، وفيما خرج عن الشرط والغاية، وبالتقييد بالرفع يدرأ النقض بالخطاب الوارد بما يخالف حكم الخطاب المتقدم إذا كان حكمه، موقتا من حيث إن الخطاب الثاني لا يدل على ارتفاع حكم الخطاب الأول لانتهائه بانتهاء وقته.
والجواب عن الاشكال الأول: لا نسلم أن النسخ هو ارتفاع الحكم، بل النسخ نفس الرفع المستلزم للارتفاع، والرفع هو الخطاب الدال على الارتفاع، وذلك لان النسخ يستدعى ناسخا ومنسوخا، والناسخ هو الرافع أي الفاعل، والمنسوخ هو المرفوع أي المفعول، والرافع والمرفوع، أي الفاعل والمفعول، يستدعي رفعا وارتفاعا، أي فعلا وانفعالا، والرافع هو الله تعالى على الحقيقة، وإن سمي الخطاب ناسخا، فإنما هو بطريق التجوز، كما يأتي تحقيقه، والمرفوع هو الحكم، والرفع الذي هو الفعل صفة الرافع، وذلك هو الخطاب، والارتفاع الذي هو نفس الانفعال صفة المرفوع المفعول. وذلك على نحو فسخ العقد، فإن الفاسخ هو العاقد، والمفسوخ هو العقد، والفسخ صفة العاقد، وهو قوله فسخت والانفساخ صفة العقد، وهو انحلاله بعد انبرامه.
وأما النسخ بفعل الرسول، فلا نسلم أن فعل الرسول ناسخ حقيقة، إذ ليس للرسول ولاية إثبات الأحكام الشرعية، ورفعها من تلقاء نفسه، وإنما هو رسول ومبلغ عن الله تعالى ما يشرعه من الاحكام، ويرفعه، ففعله، إن كان ولا بد، فإنما هو