ولقائل أن يقول على الوجه الأول إن إطلاق اسم النسخ على الكتاب إما أن يكون حقيقة، أو تجوزا: فإن كان حقيقة فهو المطلوب، وبطل ما ذكروه، وإن كان مجازا، ضرورة أن ما في الكتاب لم ينقل على الحقيقة، فيمتنع أن يكون التجوز به مستعارا من الإزالة، فإنه غير مزال، ولا يشبه الإزالة، فلا بد من استعارته من معنى آخر، والاجماع منعقد على امتناع إطلاق اسم النسخ حقيقة في الإزالة والنقل، فإذا تعذرت استعارته من الإزالة، تعين أن يكون مستعارا من النقل.
ووجه استعارته منه أن تحصيل ما في أحد الكتابين في الآخر، تجري مجرى نقله وتحويله إليه، فكان، منه بسبب من أسباب التجوز. وإذا كان مستعارا من النقل وجب أن يكون اسم النسخ حقيقة في النقل إذ المجاز لا يتجوز به في غيره بإجماع أهل اللغة.
ثم وإن كان ذلك مجازا في نسخ الكتاب، فما الاعتذار عن اطلاق اسم التناسخ في المواريث، مع كونها منتقلة حقيقة، وإطلاق اسم النسخ على تحويل النحل والعسل من خلية إلى أخرى. فإن ما ذكروه في تقرير التجوز في نسخ الكتاب غير متصور ها هنا.
وأما الوجه الثاني فمقابل بمثله، وهو أن يقال: اسم النسخ قد أطلق بمعنى النقل على ما سبق. والأصل في الاطلاق الحقيقة، ويلزم من كونه حقيقة فيه أن لا يكون حقيقة في الإزالة، دفعا للاشتراك عن اللفظ، وليس أحد الامرين أولى من الآخر، فإن قبل الترجيح لكونه حقيقة في الإزالة، وذلك لان الإزالة مطلق إعدام، والنقل أخص من الإزالة، لأنه يستلزم إعدام الصفة وحدوث أخرى، والاعدام المستلزم حدوث شئ آخر، أخص من الاعدام الذي لا يستلزم ذلك، وإذا كانت الإزالة أعم، فجعل النسخ حقيقة فيها أولى، نفيا للتجوز والاشتراك عن اللفظ.
قلنا: لا نسلم أن الإزالة أعم من النقل والتحويل وإن كان يستلزم إعدام صفة وتجدد أخرى، فكل إزالة هكذا، لان الإزالة على ما قيل هي الاعدام، والاعدام يستلزم زوال الصفة، وهي الوجود وتجدد أخرى، وهي صفة العدم، وهما صفتان متقابلتان، مهما انتفت إحداهما تحققت الأخرى، وإذا تساويا عموما وخصوصا