وقد قال الغزالي في معنى هذه الأهلية إنها عبارة عن استقامة السيرة والدين.
وحاصلها يرجع إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه.
وذلك إنما يتحقق باجتناب الكبائر وبعض الصغائر وبعض المباحات.
أما الكبائر فقد روى ابن عمر عن أبيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: الكبائر تسع:
الشرك بالله تعالى، وقتل النفس المؤمنة، وقذف المحصنة، والزنى، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، والالحاد بالبيت الحرام.
وروى أبو هريرة مع ذلك: أكل الربا، والانقلاب إلى الاعراب بعد هجرة.
وروي عن علي، عليه السلام، أنه أضاف إلى ذلك: السرقة وشرب الخمر.
وأما بعض الصغائر فما يدل فعله على نقض الدين، وعدم الترفع عن الكذب، وذلك كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة، واشتراط أخذ الأجرة على إسماع الحديث ونحوه.
وأما بعض المباحات فما يدل على نقص المروءة، ودناءة الهمة، كالأكل في السوق، والبول في الشوارع، وصحبة الأراذل والافراط في المزح، ونحو ذلك مما يدل على سرعة الاقدام على الكذب، وعدم الاكتراث به.
ولا خلاف في اعتبار اجتناب هذه الأمور في العدالة المعتبرة في قبول الشهادة والرواية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، لان من لا يجتنب هذه الأمور أحرى أن لا يجتنب الكذب، فلا يكون موثوقا بقوله.
ولا خلاف أيضا في اشتراط هذه الأمور الأربعة في الشهادة.
وتختص الشهادة بشروط أخر: كالحرية، والذكورة، والعدد والبصر، وعدم القرابة، والعداوة. وإذ أتينا على تحقيق شروط الرواية، فلا بد من الإشارة إلى ذكر مسائل متشعبة عن شروط العدالة جرت العادة بذكرها وهي ثمان مسائل: